غسان سعود
منذ مؤتمر القمة العربيّة الأول في مصر بتاريخ 13/01/1964، لم يغب الهمُّ اللبناني عن القمم العربيّة التي كان آخرها قمة الرياض في 28 و29/3/2007، التي تجنّبت توجيه رسالة مباشرة إلى الوفدين اللبنانيين الرسميين عبر «إعلان الرياض». لكن المفارقة هذه المرّة أن القمّة التي كان لبنان ينتظر دعمها، باتت تنتظر دعمه. والدولة التي كانت تعاني تدخّل بعض الدول العربيّة في شؤونها باتت ممراً للتدخل في شؤون هذه الدول، ويمثّل حضورها القمّة أو عدمه عنصراً أساسياً في اكتمال النصاب العربي أو عدمه.
من هنا، ومهما تكن مقررات القمة المقبلة، ثمة بين الموالين من يقرأ في ربط بعض الدول العربية حضورها قمّة دمشق بتوجيه دعوة إلى لبنان، (يفترض أن ينتهي أمرها في صندوق بريد السرايا المحاصرة)، انتصاراً جديداً لثورة الأرز.
ويرى أحد نواب المستقبل في نجاح الضغوط العربيّة على سوريا صورة لتطور وضع الأكثرية في ميزان القوى منذ عام. فبعدما «اضطر أهل الرياض لاستقبال الرئيس إميل لحود في العام الماضي، ولم يتمكنوا من إجلاس الرئيس فؤاد السنيورة على غير كراسي ضيوف الشرف، ها هم أصحاب الشام يضطرون إلى الانقلاب على الصفات التي أوكلوا إلى حلفائهم اللبنانيين تعدادها بحق النظام السوري، ويُجبَروا على تخصيص كرسي رئاسي للسنيورة».
هذا في وقت يؤكد فيه النائب محمد الحجار أن السنيورة، كأعلى سلطة إجرائية في البلد، لم يقرر بعد حضور القمّة شخصياً أو عدمه، وسيأخذ في الاعتبار مستوى التمثيل العربي، وسيعرض الدعوة، إذا قدمت، على مجلس الوزراء مجتمعاً ليتخذ القرار في شأنها، علماً بأن بعض نواب المستقبل يتحدثون عن مطالبة بعض زملائهم بأن يكون شرط الاستجابة للدعوة هو إفراج السوريين عن المعتقلين اللبنانيين لديهم، والالتزام العلني، الصريح والواضح، بإقامة علاقات دبلوماسية مع بيروت، وخصوصاً أن السعوديّة ربطت حضورها القمة بالمشاركة اللبنانيّة. وبالتالي، فإن التوجه السوري لدعوة لبنان لا يكفي. ويقول الحجّار إن الحديث عن وفدين لبنانيين حديث غير منطقي، إذ ثمّة حكومة شرعية، يعترف الرئيس نبيه بري نفسه بأنها تصرّف الأعمال وتملأ الفراغ. وبالتالي، فإن توجيه السوريين دعوتين يعني تشجيعاً لانقلاب فئة من اللبنانيين، وخطوة نحو تعميق الانقسام.
ورغم تأكيد الحجّار عدم لمسه أيّة جديّة في الأجواء التفاؤلية التي حاول بعض المعارضين إشاعتها، نتيجة تمسك المعارضة بمنطق الإلغاء والتعطيل، فإن أحد زملائه من نواب طرابلس يرى أن آذار، مع ما يحمل من رمزية لثورة الأرز، سيكون حاسماً لبنانياً وإقليمياً. إذ ثمة من ينشر الضوضاء ليبعد الأنظار عمّا يُطبخ سراً. طبخة يعدّها محترفون يريدون أن تخرج مائدة القمّة بنتائج هي أشبه بإعلان دمشق الذي نسّق، منذ مطلع التسعينيات حتى اغتيال الحريري، التعاون الإقليمي بين مصر وسوريا ودول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية.
وإذ يرفض النائب الشمالي التعليق على سؤال السفير خوجة عن تشابك العلاقات السعودية ـ السورية بالأمور الداخليّة اللبنانيّة، يكتفي بالقول إن القمة المقبلة إنما هي سورية ـ سعودية في المقام الأول، وستؤسس إما لسلام عربي جديد وإما لتصادم سيكون السوريون أول من يدفع ثمنه.
وبحذر يتابع النائب أن الأمر لا يتعلق بجلوس السنيورة على الكرسي الماروني الوحيد على طاولة القمّة (وهو ما يمكن حلّه وفق النائب نفسه بإيفاد وزير ماروني لتمثيل الحكومة)، ولا بمشاركة لبنان أو عدمها، فالأمر أكبر من ذلك بكثير، يضيف النائب الطرابلسي، مشيراً إلى احتمال وجود تسوية إقليمية، إيرانية ـ أميركية، تسويّة قد يُفاجأ المعارضون بأنهم سيدفعون ثمنها، إذ إن السعوديين الذين خسروا في العراق قد يقبلون مزيداً من الخسارة هناك، لكنهم حتماً سيطلبون انتصاراً كاملاً هنا. يهز النائب، الجديد على السياسة، رأسه، ويختم قائلاً إن السوريين معروفون بكرم ضيافتهم، ويجب ألّا يفاجأ أحد بإكرامهم ضيفهم اللبناني وإنزاله منزلة الرئيس وربّما أكثر.