strong>صور ــ آمال خليلهل يعلم القاطنون في شارع الآثار في صور أن «أم الرب» تقيم بجوارهم تحت التراب بين الأبنية، حيث لا يتورّع البعض عن رمي النفايات في قطعة الأرض المهملة التي استملكتها المديرية العامة للآثار بعد اكتشاف بقايا كنيسة «أم الرب» عام 1995؟! علماً بأن المديرية، لدى توقفها عن استكمال الحفريات في المكان لمعوقات منها وجود أبنية سكنية عشوائية بنيت في زمن الحرب الأهلية وعدم إمكانية الدولة لاستملاكها، غطت الموقع بقماش خاص وطبقة من الرمال لحمايته من التخريب والسرقة. وإذا حمت الرمال الآثار التي لا يزال بعضها ظاهراً، فمن يحمي الموقع من الإهمال والنفايات وعبث البعض به، رغم ما تقوم به لجنة التنظيفات وشرطة بلدية صور من دوريات متكررة.
وفيما خسرت «أم الرب» فرصة قيامتها من تحت الردم بعد أن فشلت المديرية في تأمين التمويل لاستكمال الأبحاث والحفريات في الموقع، تلقّت المديرية رسالة نوايا من معهد الآثار المسيحية في الفاتيكان الذي أعرب عن نيته المشاركة في استئناف الأعمال المتوقفة، مع ما يتطلبه ذلك من استملاك أرض مجاورة في الشارع المكتظ.
وكانت المديرية العامة للآثار قد سجّلت أحد أهم اكتشافاتها منذ بدء الحفريات في المدينة، لدى تمكّنها من إزالة الردم المتراكم عن بعض بقايا كنيسة «أم الرب» التي تعدّ البازيليك الأولى في التاريخ التي افتتحها أسقف صور باولينوس في عام 313م، بالتزامن مع دخول المدينة في العهد البيزنطي بعد وقت طويل من الصراع بين الوثنية والمسيحية في الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي، بعد انحياز الأباطرة الرومان الشرقيين للوثنيين وارتكاب مذابح بحق مسيحيي المدينة، قبل أن يصدر الأمبراطور البيزنطي قسطنطين مرسوم ميلان للحريات الدينية. وتعود الآثار المكتشفة إلى المذبح وجزء من القاعدة الرئيسية والمداخل الجانبية للبازيليك التي تمتاز بفخامة المواد المستخدمة في البناء، كالديكورات الأرضية والرخام والزخرفة والتيجان المطلية بالذهب. ويؤكد مسؤول الآثار في الجنوب علي بدوي، أن هناك شواهد كثيرة تثبت أن المكتشف هو أول بازيليك «أم الرب» التي وردت في كتاب المؤرخ أوزيب «تاريخ الكنيسة»، الذي يذكر أنه حضر احتفال افتتاح الكنيسة التي بناها باولينوس حتى قبل بازيليك القدس.
من جهة ثانية، في 11 آذار المقبل، تفرح بعثة جامعة «نارا» اليابانية وتمسح عرق الجهود التي تبذلها منذ أربع سنوات، في ترميم الغرف المدفنية الصغيرة الواقعة تحت الأرض في منطقة الرمالي في البرج الشمالي، التي تعود إلى القرن الثاني الميلادي خلال العهد الروماني، لدى افتتاحها رسمياً باحتفال يقام في الموقع، برعاية وزارتي الثقافة اليابانية واللبنانية، أملاً بتحويلها إلى مزار أثري مفتوح للعامة «بهمّة» لبنانية.
المدافن الثلاثة والعشرون التي يرمز إليها بـ(TJ04) والتي سرقت منها العظام والمقتنيات على مدى السنوات الماضية، حين ردمت أيضاً بسبب القصف الإسرائيلي، أعاد الاختصاصيون إليها شكلها السابق، وأهّلوا الموقع من الداخل والخارج بالتنسيق مع المديرية العامة للآثار التي وقّعت عقداً مع جامعة نارا في اليابان قبل أربع سنوات، يسمح للخبراء اليابانيين بالتنقيب والبحث في منطقة شرق صور المليئة بالآثارات والمدافن المسماة (نيكروبول)، والممتدة بطول 7 كيلومترات وبعرض ثلاثة كيلومترات، في إطار التعاون الأثري والحضاري حيث سبقته جولات مسح يابانية على المواقع الأثرية في المنطقة قبل اتخاذ القرار. وأعلن عامر سقلاوي، مسؤول الفريق اللبناني المشارك في العمل، أن الترميم الذي اقتصر على المدافن سيستكمل رسم الرسومات الجدارية (الفريسك)، وإعادة تشكيل أحجارها في المرحلة الثانية من المشروع. وفي ما خصّ الخطوة المقبلة المشتركة، أعلن المهندس نادر سقلاوي منسق البعثة الأجنبية في المديرية العامة للآثار في صور، عن توقيع عقد جديد مع الجامعة اليابانية يشمل أعمال ترميم أخرى في منطقة صور.