رامي زريقتعود المرأة إلى منزلها حاملة كيساً بلاستيكياً قديماً فيه بعض الخضر الذابلة ورغيفان من الخبز.
إنها حصيلة صباح كامل أمضته وهي تسعى إلى شراء بعض المؤن من سوق فرغت من البضائع، تماماً كما فرغت محفظتها من النقود. فهي لا تعمل منذ فترة طويلة، لأنها مزارعة.
في السابق، كان عملها يبدأ عند الفجر وينتهي عند الظهيرة. تجهد في الخيم البلاستيكية لتنتج أزهاراً يتمتع بها من يقدر على شرائها. لكن، منذ انقطاع المياه والمحروقات والكهرباء، بات أصحاب الرزق يقطعون الأزهار الذابلة ويطعمونها للدوّاب. وتبقى هي وولداها من دون طعام ولا عمل ولا مال.
المساعدة الضئيلة التي تحصل عليها شهرياً تعويضاً عن فقدانها زوجها لا تصمد أكثر من أسبوع واحد، بعد دفع الديون التي تكون قد تراكمت خلال الشهر السابق.
تفتح المرأة باب البيت لتجده خالياً. تنادي ابنها مراراً بلا جدوى. تضع حملها على الطاولة الصغيرة في وسط الغرفة الوحيدة في وقت تتناهى فيه إلى سمعها أصوات آتية من الخارج لأولاد يلعبون. تطلّ من النافذة فترى ابنها وابنتها يلهوان مع أولاد الحيّ حول الشاحنة القديمة المركونة أمام منزل الجيران.
تعود إلى الطاولة وتباشر تحضير الغداء المتواضع. دويّ هائل يهز بيتها الركيك وصدمة ترميها أرضاً، ثم صوت صاخب. لقد أفرغت «الأم ك» كلّ حمولتها. تهرول المرأة إلى الباب مثل المجنونة، ترى جثثاً متناثرة هنا وهناك، يعلو صراخها.
في اليوم العالمي للمرأة، كلّ يحتفل على طريقته في الوطن العربي. هناك من يلقي المحاضرات والوعظ، وهناك من يحتجّ على الرسوم الدنماركية، وهناك من يهلّل للمدمّرة «كول» حاملة الحرّية والرقي والديموقراطية والحضارة، أمّا نحن فنتذكرّ نساء غزّة.