أنطوان سعدلقد نجح النائب إبراهيم كنعان والوزيران السابقان سليمان فرنجية ووئام وهاب، ومن وراء الكواليس، الوزير السابق ناجي البستاني، في تحويل اتجاه المعركة على تقسيمات الدوائر الانتخابية من مشكلة كادت تقع بين البطريرك الماروني نصر الله صفير والمعارضة إلى تحدٍّ بين القيادات المسيحية، الموالية والمعارضة، بشأن قدرة كل طرف على التأثير في حلفائه وحملهم على تبنّي صيغة القضاء المعدّل في الأقضية الكبيرة. وبذلك سوف يتمكن كل طرف من تعريف مناصريه والرأي العام اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً، على وزنه الحقيقي في قلب المعادلة القائمة على انقسام البلاد بين معسكري الثامن والرابع عشر من آذار.
وإذا كانت مراكز القوى في تجمع الرابع عشر من آذار غير المسيحية قد لزمت الصمت بشأن مطلب البطريرك الماروني باعتماد القضاء دائرة انتخابية ولم تعلّق عليه سلباً أو إيجاباً، فإن زوار رئيس مجلس النواب نبيه بري إضافة إلى البعثيين والسوريين القوميين الاجتماعيين، انتقدوا موقف سيد بكركي ووضعوه في خانة الانحياز إلى قوى الرابع عشر من آذار. وفي هذا الإطار، لا بد من التوضيح أن أول من فاتح البطريرك صفير بقضية اعتماد القضاء المعدّل دائرة انتخابية، في نهاية عام 2004، هو أحد أركان اللقاء الوطني المعارض، الوزير السابق ناجي البستاني. وليس صحيحاً إذاً، أن المحامي زياد بارود، عضو الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب، هو الذي أقنع سيد بكركي بهذا المشروع، علماً بأن الوزير فرنجية كان قد أشاد بمواقف المحامي بارود في اجتماعات الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب. لذلك، كان مستغرباً اتهامه له بلعب دور لمصلحة تيار المستقبل الذي كان من بين المنزعجين من موقف المندوبَين المارونيَين في الهيئة الوطنية الدكتور ميشال تابت والمحامي زياد بارود.
ينقل الوزير السابق ناجي البستاني عن البطريرك صفير تجاوبه مع طرح القضاء المعدّل منذ أن فاتحه به عندما كانت حكومة الرئيس عمر كرامي تحضّر قانوناً جديداً للانتخاب، لكن الظروف والمعطيات السياسية التي كانت سائدة، والتي جعلته يشكك في إمكان تحقيقه لزيادة صحة التمثيل المسيحي، دفعته إلى القبول بحماسة بمشروع اعتماد القضاء دائرة انتخابية، لمعرفته الوثيقة بأنه لم يكن بالإمكان التفكير بما هو أفضل. في أي حال، بدا حينذاك أنه حتى القضاء لم تكن الأطراف حقيقة مقتنعة به.
على رغم مواقف قيادات المعارضة السلبية، تؤكد مصادر قريبة من الوزير السابق سليمان فرنجية للأخبار أنه «لن يكون مستحيلاً إقناع هذه القيادات بالقضاء المعدّل». وقد تكون هذه المصادر معتمدة على أنها سوف تتمكن من أن تبرهن لقيادات المعارضة أنها لن تخسر الكثير إذا قبلت اعتماد هذه الدائرة الصغيرة. في المقابل، سوف يؤدي إجراء انتخابات نيابية بناءً على هذه القاعدة إلى عودة كتلتي تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي إلى حجمهما الطبيعي. غير أن تجربة انتخابات عام 2005 لا تزال ماثلة، إذ إن الرئيس نبيه بري وحزب الله فضّلا في نهاية الأمر السير في التحالف الرباعي على إعطاء حليفَيهما الرئيس كرامي والوزير فرنجية قانون القضاء الذي كان سيزيد من فرص وصولهما إلى مجلس النواب. وأقصى حدٍّ وصل إليه رئيس مجلس النواب آنذاك هو القبول باعتماد القضاء في محافظة الشمال، وربما في غيرها، ولكن مع الحفاظ على الجنوب دائرة انتخابية واحدة، معطياً بذلك لمن كانوا يريدون في الحقيقة خوض الانتخابات بناءً على قانون عام ألفين فرصة ثمينة لرفض هذا
العرض.
يبدو اليوم أن المشهد قد يتكرر، فهل سيناصر الرئيس بري وحزب الله الرئيس عمر كرامي والعماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية وغيرهم من الحلفاء الذين أقصاهم قانون عام ألفين عن مجلس النواب، أم أنهما سوف يدخلان في تحالف رباعي جديد؟ وفي المقابل، هل سيقدم تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي على إعطاء حلفائهما المسيحيين قانون القضاء المعدّل لكي يستفيدوا منه في ظل تراجع شعبية العماد عون، أم أنهم سوف يطرقون من جديد باب حركة أمل وحزب الله لإحياء التحالف الرباعي؟ وما سيكون موقف السفراء الغربيين هذه المرة؟
كلها أسئلة يفترض أن يطرحها كل طرف مسيحي على حلفائه، ويطرحها المراقبون على الجميع، لأنه بالإجابة عليها يتضح ما إذا كانت الأزمة الراهنة ستكون الأخيرة أم أن جميع الأطراف لم يتعلموا شيئاً، وسيكون علينا مشاهدة تكرار الأزمة أو صورة منقّحة لها.