«مرجعيون تحاصرنا» في مؤتمر باريس«كان شبح ثكنة مرجعيون يجول في باريس»، قال ضابط في قوى الأمن الداخلي،
واصفاً ما جرى في مؤتمر شارك فيه ضباط لبنانيون إلى جانب ضباط إسرائيليين وعرب، بهدف بحث سبل مكافحة الإرهاب. انسحب من المؤتمر ضابطان لبنانيان، فيما بقي زملاء لهما لتأدية المهمة الموكولة إليهم: تمثيل لبنان
حسن عليق
«مؤتمر أورو ـ متوسطي لمكافحة الإرهاب النووي والبيولوجي والكيميائي» في باريس. لم يكن من المفترض أن يثير هذا العنوان أي استغراب. لكن التدقيق في الأمر يُظهِر أن المؤتمر، الذي عُقِد في باريس بين السابع من الشهر الماضي والسابع عشر منه، ضم ست دول فقط هي «إسرائيل»، السلطة الفلسطينية، تونس، مصرالأردن ولبنان. ضباط قوى الأمن الداخلي الذين توجهوا إلى باريس لتمثيل لبنان كانوا خمسة: رئيس إدارة الخدمات الاجتماعية العميد سمير قهوجي (رئيس الوفد)، رئيس هيئة الأركان العميد جوزف الحجل، رئيس جهاز أمن السفارات والإدارات العامة العميد عدنان اللقيس، رئيس مكتب مكافحة الإرهاب العميد شارل عطا ورئيس قسم المباحث الجنائية الإقليمية العقيد محمود ابراهيم. وهؤلاء الضباط لم يكونوا جميعاً على معرفة بوجود ضباط إسرائيليين في المؤتمر. فعندما وصل الوفد اللبناني إلى فندق «الدائرة الوطنية للقوات المسلحة» (CAN) في ساحة سان أوغوستان بباريس، فوجئ اللقيس وابراهيم بأن ضباطاً أعداء سيكونون موجودين مع اللبنانيين على الطاولة ذاتها. أما الضباط الثلاثة الباقون فكانوا أثناء وجودهم في الطائرة من بيروت إلى باريس قد تباحثوا في كيفية التعاطي مع الضباط الأعداء، وتوافقوا على ضرورة عدم الاختلاط بهم أو التحدّث معهم، إضافة إلى الانسحاب من الجلسة التي يلقي فيها إسرائيلي كلمته. وصل الوفد اللبناني إلى مكان إقامته يوم 7 شباط 2008. وبعدما وزّعت على أعضاء الوفد كتيبات عن تفاصيل المؤتمر وبرنامجه، لوحِظ أن المشاركين جميعاً مدعوون إلى حفل عشاء في أحد مطاعم الفندق يوم السبت (9 شباط). عندها قرّر اللقيس وابراهيم عدم حضور الحفل لتجنب لقاء الإسرائيليين، إلا أن الضباط الثلاثة الآخرين حضروا الحفل، الذي تبيّن لهم بعد حضوره أن الوفد الإسرائيلي غاب عنه لأنه لم يكن قد وصل إلى باريس. الأمر نفسه تكرّر في اليوم التالي، إذ نُظّمت رحلة للمشاركين في المؤتمر، غاب عنها اللقيس وابراهيم، وكذلك الوفد الإسرائيلي الذي لم يكن قد حضر بعد.
يوم الاثنين (11 شباط) بدأت الجلسة الأولى للمؤتمر الذي عُقِد في قاعة صغيرة بالفندق، جلس المشاركون فيها إلى طاولة على شكل U. وحضر ثلاثة ضباط من الأردن وثلاثة من مصر ومثلهم من تونس وضابطان من السلطة الفلسطينية والضابطان الإسرائيليان يتزازاك كوهين ويوسف ويلنر، إضافة إلى ثلاثة ضباط لبنانيين (غاب العميد اللقيس، واعتُبِر العميد سمير قهوجي مراقباً).
مساء اليوم ذاته، توجه المشاركون في المؤتمر إلى أحد مطاعم الفندق لتناول العشاء، وجلس الضباط اللبنانيون الخمسة إلى طاولة مستقلة، فيما كان المشاركون الآخرون يجلسون إلى طاولة كبيرة في المطعم. بعد لحظات، طلب أحد العاملين في المطعم من الضباط اللبنانيين الانضمام إلى زملائهم، فتجاهلوا الطلب. بعد قليل، أعاد الموظف الطلب ذاته، فوقف الوفد اللبناني. غادر اللقيس وابراهيم المطعم، وبقي الضباط الآخرون واقفين في مكانهم. لحظات، وغادر الوفد الإسرائيلي، فانضم الضباط الثلاثة إلى طاولة زملائهم.
بعد هذه الحادثة، هاتف العميد عدنان اللقيس المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، قائلاً له إنه والعقيد ابراهيم، سينسحبان من المؤتمر، فأجابه ريفي «افعل ما تراه مناسباً». انسحب اللقيس وابراهيم من المؤتمر، واستمر الضباط الثلاثة الآخرون بحضوره.
في الأيام اللاحقة، حاضر ستة ضباط أوروبيين، وألقى ممثل عن كل من الوفود كلمة. وعندما حان دور الوفد الإسرائيلي، انسحب الضباط اللبنانيون الثلاثة من القاعة، وعادوا إليها بعد انتهائه منها. وقد كان لأحد الضباط اللبنانيين مداخلة ركّز فيها على أسباب العنف في المنطقة، واضعاً الاحتلال الإسرائيلي على رأس هذه الأسباب، متحدّثاً عن «إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل»، معدّداً مجازر «قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق مدنيين عزّل». كما أن أحد الضباط اللبنانيين رد على زميله الأردني الذي قال إن منطقة الشرق الأوسط تعاني من إرهابيين يُصَدَّرون من العراق وفلسطين ولبنان، قائلاً له إن «لبنان عانى من إرهاب منظمة «فتح الإسلام» التي كان على رأسها الأردني شاكر العبسي»، فطلب الأردني شطب كلمة لبنان من المحضر.
وقد تضمّن المؤتمر تطبيقات عملية وشرحاً عن الأجهزة والآلات المخصصة لفحص الأماكن الملوثة بهجوم كيميائي أو نووي أو كيميائي، إضافة إلى عرض خطط أمنية لاعتمادها في حال حصول أي هجوم من الأنواع المذكورة.
تعليمات السفر: الانسحاب
ضباط قوى الأمن الداخلي اللبناني الذين تنتدبهم المؤسسة لتمثيلها في الخارج محكومون بما يسمى «تعليمات السفر». وهذه التعليمات التي تحمل الرقم 302 الصادرة يوم 26/2/1979 عن المدير العام لقوى الأمن الداخلي، والمعاد صياغتها بموجب مذكرة الخدمة رقم 102/204/ش4 يوم 11/5/2000 الصادرة عن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رفيق الحسن، والتي وقّع عليها وعممها رئيس هيئة الأركان العميد جوزف الحجل، تنص على أنه «إذا صادف والتقى رجل الأمن أحد الأشخاص من جنسية دولة معادية للبنان أو بحالة قطع علاقات دبلوماسية معها ويكون في حالة تسمح له بمغادرة المكان في غير معرض الخدمة (حفلة ــ زيارة أو ما شابه ...) ينسحب فوراً دون أي تعليق».
وإضافة إلى ما قد يُعدّ مخالفة للتعليمات الواضحة، تطرح المشاركة الأمنية اللبنانية عدة تساؤلات بالشكل وبالمضمون، أولها عن سبب مشاركة رئيس هيئة الأركان ورئيس إدارة الخدمات الاجتماعية واللذين يرأسان وحدتين إداريتين لا علاقة لهما بمهمات عملانية في المجال الأمني. مصادر قوى الأمن الداخلي ردّت أن العميدين المذكورين عضوان في مجلس القيادة، وبالتالي يساهمان في رسم الاستراتيجية الأمنية لهذه القوى، ومن هنا كانت أهمية مشاركتهما. إضافة إلى ما ذُكِر، يجدر التوقف عند عدد الضباط المشاركين. ففي الوقت الذي كانت فيه الدول الأخرى ممثلة بثلاثة ضباط كحد أقصى لكل منها، تمثّل لبنان بخمسة، مع ما يعنيه ذلك من عبء إضافي على خزينة الدولة، نتيجة بدلات السفر التي يتقاضاها الضابط المسافر في مهمة (250 ألف ليرة يومياً). وإضافة إلى ذلك، طرح عدد من ضباط قوى الأمن الداخلي تساؤلات عن جدوى أصل المشاركة في مؤتمر ــ حضرته 6 دول فقط وكان معلوماً أن إسرائيل هي إحداها ــ مخصص للبحث في تهديد إرهابي لا يمثل خطراً جدياً على لبنان في الوقت الحاضر. وأشار أحدهم إلى أن المفاضلة بين المشاركة وعدمها ستكون حتماً في مصلحة التغيّب عن المؤتمر. وأضاف الضابط الرفيع: إذا كانت هذه الأخطار الإرهابية محدقة بلبنان، فإن الأجدى تدريب الضباط والرتباء والأفراد العملانيين في قسم المباحث العلمية على مواجهتها، لا تدريب ضباط من رتب عالية، بعضهم يقتصر عمله على الشق الإداري.