إبراهيم الأمينلم يقدِّم الاجتماع الوزاري العربي أي جديد بشأن الملف اللبناني، والأمر لم يكن يحتاج إلى جديد، لأن الانقسام الأهمّ يتجاوز البعد المحلي كما يراه أطراف الأزمة اللبنانية، وخصوصاً أن التوترات العربية ـ العربية بلغت حداً يصعب معه توقع أي تسوية قريبة، رغم أن الجهود المبذولة الآن تركِّز على كيفية تجاوز «قطوع» القمة العربية بأقل الخسائر الممكنة.
في القاهرة، بدت المناقشات، على حدّتها أو خفّتها، أقرب إلى صورة الواقع الحالي: أزمة ثقة وتبادل وجهات نظر لتثبّت المواقف المعلنة. ودور الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى لامس حدود اللافعالية، باعتبار أنه يدرك أن موقعه الوظيفي يفرض عليه مواصلة المحاولة لجمع الكل، لكن اقتناعه ومعرفته بالحقائق، يجعلانه يعلن مسبقاً عدم القدرة على إنتاج تسوية دائمة. لذلك، لم يكن ممانعاً لفكرة اقترحها عليه الرئيس المصري حسني مبارك ونقلها إلى الرئيس السوري بشار الأسد لتأجيل القمة بضعة أسابيع من أجل تسهيل أمور تخص ترتيب البيت العربي، وهو أمر رفضته دمشق، مؤكدةً عقدَ القمة في موعدها، وبمَن حضر. علماً بأن موسى كان قد تلقّى إشارات إلى وجود مناخات لدى دول عربية بارزة، من بينها دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، تنوي ممانعة الوجهة السعودية، وتتجه للمشاركة في قمة دمشق، حتى إذا حصل خفض لمستوى التمثيل. كما أن موسى اطلع على فحوى اتصالات أجرتها دول عربية عدة بالقيادة السورية تناولت هذا الجانب.
لكن ماذا عن مستقبل العلاقات السورية ـ السعودية؟
بحسب مصدر دبلوماسي خليجي، فإن الأمر يعود إلى أسباب كثيرة أبرزها أن الرياض تتصرف على أساس أن سوريا لا يمكن تركها تتصرف كأنها خارج «الإطار العربي»، وأن على القيادة السورية الابتعاد سريعاً وبقوة عن العلاقة مع إيران، وبالتالي عليها تغيير سلوكها في ملفات كثيرة، من بينها لبنان وفلسطين، وحتى العراق. ويقول المصدر إن السعودية تتحدث صراحة عن مخاوف من أن تتجه دمشق صوب تحالف أوثق مع إيران، بما يعزز نفوذ الأخيرة، ويجعلها قادرة على بناء محور متماسك يمتد من طهران إلى دمشق مروراً بالعراق، ويترك تأثيره الكبير على لبنان وفلسطين.
وينسب الدبلوماسي الخليجي إلى مسؤولين سعوديين أن هناك معلومات عن نية سوريا وإيران دعم تحرك سياسي وغير سياسي في لبنان، يقود إلى إبعاد فريق 14 آذار عن الحكم وعن الملعب السياسي، وأن هذا «الانقلاب» يستهدف شل القدرات السياسية للسعودية ودول أخرى في بلاد الشام. ويفترض المصدر أن هذه الخشية تتجاوز لدى القيادة السعودية مستوى الأفكار والتأملات السياسية، وأنها تملك معطيات عن هذا الأمر، وأن دولاً أخرى مثل مصر والأردن تعرفان هذه التفاصيل، وهو السبب الذي جعل الولايات المتحدة تشعر بمسؤولية إضافية، فقررت مؤازرة القوى الحليفة لها في لبنان، وأن ذلك يكون من خلال التلويح لسوريا بفرض المزيد من العقوبات عليها، وبتوجيه رسائل قوية إلى المعارضة اللبنانية، وأن إرسال المدمرة كول يندرج في هذا السياق. ويتحدث المصدر عن احتمال قيام الولايات المتحدة بخطوات إضافية، لكنه يشير إلى نقاش قائم وصعب بين واشنطن والعواصم الأوروبية التي لا تريد الدخول في هذه اللعبة الآن، لأنها لم تقرِّر سحب قواتها من عداد القوات الدولية المنتشرة في الجنوب. متوقعاً حصول المزيد من الحوارات والمشاورات في الفترة المقبلة، قبل أن تعلن السعودية وجهتها الحاسمة، التي ستترك تأثيرات كبيرة على الوضع في لبنان وفلسطين، وسوف يكون لها أثرها الفعلي على علاقاتها بإيران أيضاً.
من جانب دمشق، تبدو الصورة غير بعيدة عن التشخيص الذي يقول بمشكلة جدية وحقيقية مع السعودية، ومع بعض الدول العاملة في المحور الأميركي. لكن مسؤولاً سورياً رفيع المستوى يقول إن حجة الرياض بوجود تحالف بين سوريا وإيران لا يمكن الأخذ بها هكذا. ويقول المسؤول نفسه: لماذا نتهم السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ببناء علاقات جيدة مع إيران؟ ولماذا يُدعى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لحضور قمة الدوحة، ثم يلح الملك السعودي عبد الله على نجاد بتأدية فريضة الحج والحلول ضيفاً ملكياً على السعودية؟ ثم لماذا تذهب السعودية وتحاور طهران بكل تفاصيل الملف اللبناني، وتناقش معها تفاصيل الملف العراقي، وحتى جوانب من الملف الفلسطيني؟ ولماذا تبدي السعودية ودول خليجية أخرى ذعراً من احتمال اندلاع مواجهة أميركية ـــــ إيرانية، ويذهب قادة هذه الدول إلى طهران سراً وعلناً ويؤكدون رفضهم الحرب، وسعيهم لعدم شن الولايات المتحدة أي عدوان، ورغبتهم بعدم استخدام أراضيهم منطلقاً لأي أعمال عدائية ضد إيران؟ ويطرح المسؤول السوري هذه الأسئلة ليضيف: كيف يوفِّق هؤلاء بين سعيهم الحثيث لعلاقات أكثر من جيدة مع إيران، ثم يطلبون من سوريا قطع علاقاتها بإيران؟ وكيف يُقبَل بالنفوذ الإيراني في أكثر من منطقة ودولة عربية، ثم تُحاسَب سوريا على توثيق علاقاتها بإيران، وهي العلاقة القائمة على أساس واحد، وهو توفير مقومات الصمود والمقاومة بوجه إسرائيل وعدوانها واحتلالها؟
ويعتقد المسؤول السوري أن بعض الدول العربية، وفي المقدمة السعودية، تسعى إلى الإمساك بأوراق ملفات بطريقة تتجاوز الوقائع التاريخية والسياسية الحالية، محذراً من أن هذه السياسة لن تحدث تغييراً في موقف سوريا. وثمة سذاجة في الحديث عن طلبات لسوريا بترك صداقات وتحالفات في لبنان، لأجل إرضاء خصوم يعملون ليل نهار لإسقاط سوريا وتوجيه الأذية لها.
ويلفت المسؤول السوري إلى أن العدوان على قطاع غزة ربما سبّب إحراج بعض العواصم العربية، وفي مقدمها السعودية، ما دفع إلى بعض التهدئة في الحملات على سوريا، علماً بأن هذا العدوان لم ينتهِ وقد يستأنف بمجرد مغادرة كوندوليزا رايس المنطقة، وساعتها سوف يصبح السؤال: هل مصير غزة يتقدم على أزمة لبنان أم لا؟ وهل هناك من داع لتفجير الوضع العربي، فيما مطلوب من العرب الوقوف والمبادرة؟ ويختم قائلاً: القمة العربية سوف تعقد في موعدها، وسوف يصدر عنها الموقف المطلوب في مواجهة ما هو مطلوب من العرب الآن، في ظل استعداد أميركي ـ إسرائيلي لشن أوسع الحروب على فلسطين وسوريا ولبنان.