strong>رجال الدين والمؤسّسات المذهبيّة دخلت الخطّ جهاراً ومدّت الجميع بالشجاعة«هذه الحكومة البتراء»، «المقاومة الشيعيّة»،
«التاريخ المسيحي الملوّث بالعمالة لإسرائيل»، وعبارات أخرى تبثّ عبر وسائل الإعلام بمختلف فئاتها.
إنه حوار الثقافات والحضارات يظهر على الشاشات ويتعايش في شوارع العاصمة
نادر فوز
«كي لا تتجه الأمور إلى ما لا تحمد عقباه»، أو «لبنان أمام احتمالات مفتوحة»، عبارات تردّدت في الأسابيع الأخيرة، وخاصةً مع سلسلة المشاكل المتنقّلة التي أقلقت شوارع العاصمة مع تصاعد الأزمة. وفي مقابل هذه العبارة المحذّرة من خطورة الأوضاع، تأخذ خطابات المسؤولين، من سياسيين ورجال دين، منحى مختلفاًَ، فتظهر شراسة اللغة الطائفية المحرّضة على الفتنة.
من خلال الموقع الإلكتروني للمرصد الطائفي في لبنان، الذي أنشأته مجموعة شبان، وامتدّ إلى مواقع أخرى أهمها الـ«فايس بوك»، يمكن الزائر مراقبة نسبة تصاعد الخطاب الطائفي مع أي موقف يطلقه أحد السياسيين. وينشر المرصد كل خطاب للساسة اللبنانيين يُذكر فيه موضوع مذهبي أو طائفي. ومن هذا الموقع، يمكن استخراج بعض المقتطفات الطائفية التي خرجت من أفواه الزعماء الـ«حريصين على الطائفة، أو الغيارى على الوطن، من أي تدخل أجنبي يهدّد وجود الكيان».
في البداية مثل واضح على تعايش الطوائف في لبنان. ففي بداية كانون الأول الماضي، صدر بيان من البطريركية المارونية وردّ عليه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. فحمّلت أمانة سر البطركية من يمتنع عن دخول المجلس النيابي والوزراء الذين قدّموا استقالاتهم، «مسؤولية تدهور الأوضاع».
في اليوم التالي، ردّ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، مشيراً إلى أنه يتفهّم موقف البطريركية بسبب «تجربة البطريرك مع الاستحقاق الرئاسي وعدم الالتزام برأيه في اللوائح التي رفعت». ويُكمل بيان المجلس: «هذه اللغة الاتهامية التي يؤدي تعميمها إلى القفز فوق دور الطائفة الشيعية وموقعها».
ويستكمل هذا «الحوار الحضاري» بين القوى بعد مرور أكثر من أسبوعين، حين يطلق راعي أبرشية جبيل المارونية، المطران بشارة الراعي، رؤيته الجيوسياسية للأزمة، معترفاً بأنّ «الصراع الحالي في لبنان سنّي ـ شيعي، لأنهم يعتقدون بأنّ المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً انتهى دورهم في لبنان». ويكمل الراعي حديثه لصحيفة «الرأي» الكويتية، متخوّفاً من انتقال الصراع إلى مسيحي ـ مسيحي، لأنّ المعارضة «تستغل العماد ميشال عون لنقل الصراع من الصراع السنّي ـ الشيعي إلى صراع مسيحي داخلي».
ومن رجال الدين أيضاً، يبرز مفتي جبل لبنان، الشيخ محمد علي الجوزو، سيّد المواقف الطائفية دون منازع، فيقسّم الشهداء على الأطراف، «تألّمنا لسقوط شهيدكم، فلماذا لا تتألمون لسقوط شهدائنا ولا تعملون على إيقاف الاغتيالات ضدنا؟»، لتكرّ بعدها سبحة العبارات الطائفية: «الحرب المفتوحة التي أعلنها السيد حسن نصر الله ليست ضد إسرائيل، ولكن ضد أهل بيروت وأحيائها وشبابها وفي زواريب بيروت»، محتكراً شوارع العاصمة لطائفة. ويعود الجوزو في خطابه إلى ادّعاء حماية أهل بيروت، «الحركات الغوغائية والتعدي على الكرامات وعلى أعراض البيارتة لن تثني أهل بيروت عن التمسك بأرضهم والدفاع عن هوية مدينتهم»، داعياً إلى الدفاع عن هيبة الجيش في مشاكل مماثلة لما حصل مع المدنيين في الشياح.
وللانتهاء من حديث المؤسسات الطائفية، بيان الرابطة اللبنانية للروم الأرثوذكس في أوائل كانون الثاني الماضي، التي حذرت «من استمرار قضم حقوق الطائفة في مختلف إدارات الدولة، فضلاً عن الإجحاف الذي لحق بالطائفة في تعيينات الجامعة اللبنانية وغيرها من الإدارات العامة»، مشددةً على أنّ الطائفة «لن تكون مكسر عصا تُنتهك حقوقها ويُستبعد ممثّلوها».
أما السياسيون، فنبدأ بالرئيس الأسبق أمين الجميّل، الذي رأى في مناسبات عديدة أنه «لا يمكن المسيحي اللبناني، الذي كان الأساس في نشوء هذا الوطن، أن يقف مكتوفاً إذا وصلت الأمور إلى تهديد حقيقي لوجوده ودوره وكرامته». وعن دور الرئيس الجديد وأهميّة انتخابه، في «الدرجة الأولى يجب أن يجسّد مشاعر المسيحيين وطموحاتهم».
ثم الوزير السابق ورئيس تيار المردة، سليمان فرنجية الذي قال في مؤتمره الصحافي الأخير: «المشكلة هي أنّ المسيحيين يريدون أن ينجحوا بأصوات الشيعة، والشيعة أخذوا المسيحيين بالبيعة»، مؤكداً مضيّه بـ«مشروع أن ينتخب المسيحي مسيحياً والمسلم مسلماً».
ومن سيل النواب، عضو كتلة التغيير والإصلاح، نعمة الله أبي نصر الذي أخذ على عاتقه منذ انتخابات 1996 مكافحة تهميش المسيحيين و«بخاصة الموارنة»، فأشار في مناسبات عديدة إلى «أنه آن الأوان لأن يفهم الجميع أنّ من مصلحة المسلمين أن يبقى الموارنة في موقع الشريك القوي».
أما الوزير أحمد فتفت، فرأى قبل أشهر أنّ النائب الحريري إذا أراد «إنشاء جيش لمواجهة «حزب الله» الشيعي»، فحريّ به إنشاؤه في بيروت لا في الشمال، مؤكداً أنه خلال العمليات العسكرية على مخيّم نهر البارد «كانت هي المرة الأولى في تاريخ لبنان التي يقف فيها السنّة لدعم الجيش».
النائبة نايلة معوّض، عضو كتلة النواب المسيحيين في قوى 14 آذار، عبّرت بعد أحد لقاءاتها مع وفد الرابطة المارونية عن «استكمال تنظيم الطائفة وتطويرها بشكل تصبح فيه الشريك الأساسي الفاعل في الوطن»، وذلك عبر الاتصال بالخزّان الماروني في المهجر أو «الانتشار». «والجميع يعرف أنّ الانتشار الماروني من لبنان هو الأنشط في كل العالم»، بحسب معوّض.


ملكة الحيوان
عكس كتاب «كليلة ودمنة» الذي استخدم الحيوانات لبعث الحكمة في المجتمع، أعاد رجال السياسة اللبنانيون استخدام الحيوانات لوصف بعضهم بعضاً دون أي حكمة. في البدء كلام الوزير السابق طلال أرسلان حين وصف الرئيس الحريري بـ«بركيل قريطم».
وبعدها وصف النائب المرحوم جبران تويني حشود 8 آذار بـ«الغنم». ويستكمل المشهد بخطاب النائب وليد جنبلاط الذي استعان بـ«أفعى هربت منها الأفاعي»، و«قرد لم تعرفه الطبيعة»، إضافةً إلى«مزرعة بعبدا»، خلال الذكرى الثانية لـ14 شباط. وأخيراً ظهر النائب محمود المراد مستعيناً بآية قرآنية «مَثَله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث، وإن تتركه يلهث»، للحديث عن زميله النائب علي عمّار. وأخيراً كان وصف رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية زعماء المعارضة بالضفادع.