strong>يوسف يرهن أمر العودة بـ«مرونة وتنازلات من الطرفين... وإلّا فلا تقدّم»
في انتظار القمة العربية، تتحكم بالساحة اللبنانية سلسلة «لاءات» أبرزها: لا جلسة انتخاب في 11 من الجاري، ولا عودة قريبة لعمرو موسى، في مقابل تخوّف من حدوث تطور أمني داخلي يخطف الأضواء من تطورات الساحة الفلسطينية

بعدما بات من شبه المؤكد، أمر إرجاء جديد لجلسة انتخاب رئيس جديد وتجميد المبادرة العربية وعودة الأمين العام للجامعة العربية إلى بيروت، إلى ما بعد القمة العربية في دمشق، فإن لبنان دخل مرحلة ظاهرها «ستاتيكو» حتى الأول من نيسان المقبل عنوانه الأبرز تقطيع الوقت بسجالات متنوعة، وباطنها مفتوح على احتمال حدوث «طارئ» ما يعيد خلط الأوراق قبل موعد افتتاح القمة في 29 من الجاري، بحسب مصدر في المعارضة.
ويتفق هذا المصدر مع ما كان قد تخوّف منه رئيس حركة الشعب النائب نجاح واكيم، في مقابلة تلفزيونية منذ يومين، وهو حصول عملية اغتيال جديدة أو تطور أمني داخلي، يعيد ملف لبنان إلى صدارة جدول أعمال قمة دمشق، بعد تراجعه إلى خلف الأوضاع المأساوية في غزة، وإمكان خفوت «نجمه» في ظل انفتاح الوضع الفلسطيني على تطورات أكثر دراماتيكية، إضافة إلى ما طرأ على الساحة العراقية من عودة التفجيرات الكبيرة، والتطور اللافت في نوع الخروق الإسرائيلية للحدود اللبنانية.
وكان هشام يوسف مدير مكتب عمرو موسى قد قال لمراسل «الأخبار» في القاهرة خالد محمود رمضان، إن فرص العودة إلى بيروت «ضعيفة»، لكنه أبقى الأمر معلقاً بالقول: «سنرى خلال الساعات الـ24 المقبلة، وسنجري اتصالات مكثفة لبحث ما يمكن القيام به خلال الأيام القليلة المقبلة»، متحدثاً عن شعور بوجود «فرصة حقيقية لحدوث تقدم»، ولكن «إذا صممت الأطراف على مواقفها، ولم تبد المرونة اللازمة، فسيكون من الصعب إحراز تقدم»، معوّلاً على تقديم تنازلات من الطرفين، ولفت إلى أن ذلك ينطبق على المعارضة والموالاة دون تحميل طرف مسؤولية أكبر من الآخر.
ورفض القول إن الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب كان فاشلاً في ما يتعلق بملف لبنان، متسائلاً: «هل كان ممكناً أن يحل الاجتماع أزمة لبنان؟ أم أن حلها مرتبط بأطراف أخرى؟». وأضاف أن المشكلة ليست لدى الوزراء «بل لدى القيادات اللبنانية، وبطبيعة الحال بارتباطاتهم العربية والإقليمية والدولية». وأشار إلى عدم وجود ضمانات بانتخاب رئيس جديد للبنان قبل القمة، «وإذا لم نتمكن من هذا، فسيمثّل لبنان بالأسلوب الذي تراه الحكومة اللبنانية مناسباً». وعزا في حديث إلى تلفزيون «أن بي أن» سبب إضافة بند العلاقات اللبنانية ــــ السورية إلى المبادرة العربية إلى «وجوب وضع هذه العلاقات على المسار الصحيح»، معلناً أن موسى بدأ بالاتصالات اللازمة للتعامل مع هذا الموضوع.
وفي القاهرة أيضاً، قال مسؤول سوري بارز لـ«الأخبار» إنه لا مشكلة لدى سوريا في رئيس وفد لبنان، مردفاً أن الدستور اللبناني يحسم هذه المسألة لمصلحة من يتولى سلطات الرئيس في ظل عدم وجوده. وتابع: «أياً كان من سيمثل لبنان، فهو سيعامل بمستوى لن يقل عن القواعد البروتوكولية المطبقة على جميع الدول العربية المشاركة في هذه القمة».
ومساءً نقلت قناة «أخبار المستقبل» عن مصادر قريبة من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة اعتبارها أن النظام السوري لن يغامر بعدم دعوة لبنان إلى القمة، مشيرة إلى أن الحكومة ستجتمع بعد تبلّغها الدعوة وتتخذ القرار المناسب بشأنها، مع السعي إلى مواءمة أي مشاركة مع الحرص على الرمزية المارونية لممثل لبنان في القمم جميعها، رابطة المشاركة بالموقف الذي ستتخذه بعض الدول العربية من هذه القمة.

إشادات ببند العلاقات لـ... أسباب مختلفة

وكان موضوع بند العلاقات اللبنانية ــــ السورية وتمثيل لبنان في القمة، محور عدد من المواقف، فقال الوزير مروان حمادة إن هذا البند «يأتي ليتطابق مع ما أقرّته طاولة الحوار الوطني، وللإقرار بأن الأزمة اللبنانية ـــــ السورية موجودة وعميقة». ورأى أنه «من المبكر الحديث عن مشاركة لبنان في القمة، حيث تقضي الأولوية أن ينتخب رئيس للبنان يمثّله في دمشق، وإن لم ينتخب الرئيس فعندها يبحث موضوع المشاركة والتمثيل بين الجميع». وإذ وصف النائب أكرم شهيّب بند العلاقات بـ«الإيجابي»، أبدى انزعاجاً من تراجع أولوية ملف لبنان بالقول: «كلما لاح في الأفق حل للأزمة، يظهر على الساحة الإقليمية ما يصرف النظر عن هذا الحل». وأردف: «صحيح أن إسرائيل دولة معتدية ومدانة، لكن النظامين السوري والإيراني يسهّلان استخدام قضايا كفلسطين ولبنان لخدمة مصالح الدولة العبرية وعبرها مصالحهما».
ورأى النائب جواد بولس أن «البند الجديد يؤكد موقف الأكثرية أن المشكلة الحقيقية التي تحول دون حل الأزمة في لبنان» هي «عامل خارجي، وتحديداً العامل السوري، ومن ورائه العامل الإيراني». وقال إن الدعوة إلى القمة توجه «إلى الحكومة مجتمعة، وهي التي تقرر من تنتدب لحضورها».
ولسبب مختلف، أشاد اللواء عصام أبو جمرا بإضافة البند، مشيراً إلى أن الوزراء العرب «وضعوا إصبعهم على الجرح، لأن هناك فئة من اللبنانيين، والموالاة بصورة واضحة، ترفض التعامل مع سوريا بشكل إيجابي، بانتظار صدور قرار المحكمة الدولية». وقال إن من يقوم مكان الرئيس في التمثيل «هو مجلس الوزراء مجتمعاً، وعلى المجلس «إذا قبلنا بالأمر الواقع، أن ينتدب شخصاً لهذه المهمة».
وفي تطور بارز، زار السفير الإيراني محمد رضا شيباني، السنيورة، وقال إن الزيارة جاءت بناءً على طلب الأخير، لتقديم تقرير عن الإنجازات الإيرانية في مجال إزالة آثار العدوان الإسرائيلي، وأضاف: «أوضحنا المعلومات غير الدقيقة التي كانت لدى دولته عن الإنجازات الحقيقية والمتميّزة التي قامت بها» إيران في هذا المجال، مؤكداً أن كل الأعمال مرت عبر قناة الحكومة والمؤسسات الرسمية، «ولأن دولته كان قد عبّر سابقاً عن عدم معرفته بهذه الإنجازات، أحببنا أن نوضحها له اليوم». واتصل السنيورة أمس بوزيري خارجية السعودية سعود الفيصل ومصر أحمد أبو الغيط، وعرض معهما التطورات.
من جهة ثانية، واصل مبعوث الرئاسة السويسرية ديدييه بفيرتر، جولاته على عدد من المسؤولين والقادة اللبنانيين، والتقى مساء الخميس مسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» نواف الموسوي الذي اتهم بعد اللقاء الإدارة الأميركية بأنها «تعلن حرباً سافرة على المعارضة»، مؤكداً أن الأخيرة «كانت ولا تزال تسعى إلى تحقيق الاستقلال الوطني وتحرير القرار الوطني عبر الإصرار على إقرار مبدأ المشاركة». وقال إن «الوفاق الوطني يقتضي إنهاء الهيمنة الأميركية». وختم بأن المعارضة «قادرة على مواجهة أي شكل من العدوان، سواء أكان سياسياً أم غير سياسي».
إلى ذلك، بقي موضوع قانون الانتخاب سيد السجالات. وكان لافتاً، أمس، ما أعلنته الكتلة الشعبية بعد اجتماعها برئاسة النائب إيلي سكاف من أن «فريق السلطة» يقوم بعمليات نقل نفوس جماعية تشمل الآلاف من أصوات ناخبيه، ولا سيما منهم المجنسون الجدد، من جبل لبنان والمحافظات الأخرى إلى دائرة زحلة والبقاع الأوسط، بهدف «تغيير التوازنات الديموغرافية وقلب المعايير»، محمّلة وزير الداخلية حسن السبع «شخصياً» تبعات هذه العملية.
وبعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، على رأس وفد من الحزب القومي، رأى الوزير السابق علي قانصوه أن طرح موضوع الدائرة الصغرى للانتخابات «يمثّل دلالة قاطعة على أن من يطرحه يريد الخروج من اتفاق الطائف»، وأن الأمر يصبّ «في منحى التفتيت والتقسيم، لأنه يعزز العصبيات المذهبية والطائفية وسلطة المال والعائلات». ثم التقى بري النائب السابق كريم الراسي وعرض معه التطورات والمبادرة العربية وموضوع قانون الانتخاب.
وجزم النائب علي بزي، بـ«أن أي قانون انتخابي ما دون قانون عام 1960 لا يمكن القبول به أو مناقشته». وقال: «إن هؤلاء لا يريدون وطناً من خصائصه العيش المشترك التي هي ميزة لبنان». واستعرض ما جرى في الاتصال الأخير بين موسى وبري: «حصلت اتصالات، وحكي عن أفكار جديدة، فكان جوابنا أننا ما زلنا على أتم الاستعداد لتقديم المساعدة لأي فكرة وإطار ومخرج لعملية الحل وإنتاج الحل السياسي. لكن قبل أن تبدأ معنا، المطلوب أن تبدأ مع الآخرين، خلافاً لما جرى في الفترة السابقة».

الموالاة مطمئنّة إلى الأكثريّة في أي قانون!

في المقابل، وإذ طالب الرئيس أمين الجميل بـ«سنّ قانون انتخاب يؤمّن التمثيل المسيحي الحقيقي، ويأتي بمجلس نواب يمثل المجتمع اللبناني»، قال: «إننا قد وافقنا على البند الثالث من المبادرة العربية التي تنص على اعتماد القضاء في القانون الجديد. ونخشى أن يكون السجال الراهن بشأن قانون الانتخاب والمزايدات العلنية على المصلحة المسيحية، ليس إلا تغطية للعملية الرامية إلى نسف انتخاب رئيس جديد للجمهورية». والتقى الجميّل القائمة بالأعمال الأميركية ميشال سيسون، ووفداً من الأمانة العامة لقوى 14 آذار بحث معه التحضيرات للاحتفال بالذكرى الثالثة لانطلاقتها، والقائم بالأعمال البلجيكي جوهان فيركامن الذي وصف الوضع بـ«المتأزم جداً والمقفل على المستوى السياسي»، داعياً إلى الاستفادة من فرصتي المبادرة العربية وقمة دمشق «لتذليل العقبات».
لكن زميل الجميّل في الموالاة، الوزير ميشال فرعون، رأى بعد لقائه سفيرة النروج أودليز نورهايم، أن فتح موضوع قانون الانتخاب «أمر سليم، وخصوصاً مع السعي إلى طلب تصغير الدوائر، بما في ذلك دوائر بيروت، لتأمين إيصال أصوات الشرائح كافة وتأثيرها، بما فيها المسيحيون. ونحن ملتزمون هذا التوجه، وسيجري ذلك بالتفاهم وبروح الوحدة والمسؤولية لاعتماد أفضل صيغة في هذا الخصوص».
وكشف النائب أنطوان زهرا أن الأمانة العامة لقوى 14 آذار اجتمعت مساء الخميس، وكان من بين المواضيع التي بحثتها قانون الانتخاب، «لكي يتم طرح موحّد»، مشيراً إلى أن الأكثرية «واثقة من عودتها أكثرية في أي قانون انتخاب يعتمد». وتحدث عن لقاءات وفد الموالاة في القاهرة، ناقلاً عن «أكثر من وزير خارجية عربي» تسمية إيران «بالاسم، بالتدخل غير العربي في شؤون عربية، وخصوصاً في الأوضاع الداخلية كالوضع اللبناني». ونفى حصول لقاء بين الوفد ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، وقال «إن الأكثرية عندما تريد أن تلتقي أي مسؤول أميركي وغيره فإنها تلتقيه علناً».
وبالفعل، بدأ رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، أمس، زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة، على رأس وفد يضم الوزير جو سركيس والنائبة ستريدا جعجع والمسؤول المساعد في جهاز العلاقات الخارجية إيلي خوري. وذكرت الدائرة الإعلامية في القوات أن الزيارة تستمر أسابيع عدة، وتتضمن «جدولاً من اللقاءات الرسمية مع كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية في واشنطن والأمم المتحدة في نيويورك».