نعمت بدر الدينلا تزال الدبلوماسية البريطانية تظهر تحفظاً في ما يتعلق بالأزمة اللبنانية، فتنأى بنفسها عن التصريحات المتواصلة، على غرار ما تفعل دول أخرى. والاستثناء شبه الوحيد تجلى في تصريحات لمسؤولين بريطانيين، أثناء زيارة رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة إلى لندن الشهر الماضي، قالوا فيها بضرورة التدخل الدولي لحل الأزمة ودعم الحكومة الشرعية.
أوساط دبلوماسية أوروبية تشير إلى أن هذه السياسة هي «نتيجة تفاهم على توزيع الأدوار في الشرق الأوسط بين كلٍّ من لندن وباريس وواشنطن»، إذ تتركز الجهود البريطانية على ملفَّي باكستان وأفغانستان، وخصوصاً بعد انسحاب القوات البريطانية من
البصرة جنوبي العراق.
مصادر دبلوماسية بريطانية تعزو التحفظ البريطاني حيال التورّط في الأزمة اللبنانية إلى ما وصفته بـ«غياب استراتيجيا متماسكة تنتهجها الإدارة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط حالياً»، مشيرة إلى أن واشنطن «تعمل وفق مبدأ رد الفعل، بعد أن تمكن معظم خصومها في الشرق الأوسط من سحب المبادرة من يديها»، ولفتت إلى أن «الانتشار البحري الأميركي قبالة الشواطئ اللبنانية لا يخرج عن هذا الإطار، حيث إنه، بأهدافه المفترضة، نتيجة فشل حلفاء واشنطن في إنجاح مخططاتها.
فقد تجاوزت حركة حماس تداعيات حصار غزة، وهدد حزب الله بعملية انتقامية رداً على اغتيال قائده العسكري عماد مغنية، ولا تزال سوريا مصرّة على عقد القمة العربية دون ربطها بتسهيل انتخاب رئيس لبناني.
وفي هذا الإطار، رأت المصادر نفسها أن المناخات الحالية في المنطقة تشير إلى تزايد احتمال اندلاع حرب، ما لم يُتوصّل إلى تفاهم أميركي ــــ إيراني شامل، يتخطّى العراق إلى قضايا أخرى، علماً بأن أكثر ما يهم واشنطن حالياً هو الموضوع العراقي.
ويعكس بعض الأوساط الدبلوماسية البريطانية الشعور بعدم جدوى الضغط على سوريا من خلال القمة العربية، مستبعداً أن تتنازل دمشق عن مصالح حلفائها وأوراق قوتها من دون مقابل يأخذ مصالحها في الاعتبار.
وفي رأي المصادر نفسها، إن السياسة الأميركية في المنطقة تعيش حالة إرباك وتخبّط ناجمة عن فشل استخدام القوة بدل الدبلوماسية كوسيلة لحل النزاعات، وهي تلتقي في ذلك مع أوساط دبلوماسية لبنانية ترى أن مشكلة سياسة أميركا الراهنة في الشرق الأوسط تتمثل في ابتعادها شبه الكامل عن الدبلوماسية، والإصرار على العصا وفق معادلة «الانتصار أو
الهزيمة».
وهذا المنطق يحول دون التوصل إلى تسوية، سواء في فلسطين، حيث تمنع واشنطن الرئيس الفلسطيني محمود عباس من اللقاء بحماس باعتبار ذلك هزيمة لها ولحلفائها، أو في لبنان حيث ترفض أيّ حلّ يعترف للمعارضة اللبنانية بحجمها، خشية اعتبار ذلك انتصاراً لحزب الله (وهذا ما يفسّر موقفها من المبادرة
العربية).
والأمر نفسه ينطبق على سوريا، حيث تضغط واشنطن لمنع زعماء عرب من المشاركة في القمة، حتى لا يُنظر إلى الأمر باعتباره مكسباً للرئيس السوري الذي يشعر بأن الإدارة الأميركية عادت لاعتماد سياسة «إطاحة نظامه بدل تطويعه».
وقد كشفت مصادر دبلوماسية عربية أن واشنطن حمّلت وزير الخارجية الأردني صلاح البشير رسالة نقلها إلى نظيريه المصري والسعودي، في اللقاء الذي جمعهم الأسبوع الماضي، ومفادها «أن الإدارة الأميركية لن تقف مكتوفة إذا أصرّت سوريا على عقد القمة دون تسهيل انتخابات رئاسية في
لبنان».
وأضافت المصادر أن الوزراء العرب تعاملوا مع مضمون هذا التهديد باعتباره «احتمالاً واقعياً يجب تجنّبه»، وتداولوا في هذا الإطار فكرة تأجيل موعد القمة، تداركاً لما يرونه «تطورات شديدة الخطورة».
وتداول احتمال عقد قمة مصغّرة في القاهرة يجب أن لا ينظر إليه كتنفيذ لرغبات أميركية، بل هو ينطلق من المصلحةالعربية، ويندرج في إطار سياسة المناورة واللين مع الإدارة الأميركية حتى لا تجنح إلى مزيد من
التطرف.
وأكدت المصادر أن مثل هذه القمة لن تعقد في مصر، وأن الحديث عنها قد أدى غرضه، وخاصة أن القاهرة لا تستطيع مجاراة واشنطن ولا حتى الرياض في سياسة التمادي في الضغط على النظام السوري.