عمر نشابةللمرّة الألف تكرّر «الأخبار» أن جهاز قوى الأمن الداخلي يفترض أن يعمل كمؤسّسة خاضعة للمساءلة والمحاسبة وفقاً لمعايير يحدّدها القانون والدستور. وإن كلّ فعل يقوم به عناصر وضباط قوى الأمن يتعارض مع القانون أو مع متطلّبات حفظ الأمن العصرية أو مع خدمة المواطنين بشكل يتناسب مع حاجاتهم الأمنية والعدلية، يعرّض المؤسسة علناً للانتقاد. وفي هذا الإطار، لا قيمة للحجج السياسية التي تصدر كردّ أو توضيح عن المؤسسة بعد كلّ انتقاد، ولا يفترض أن يصدر عن مؤسسة أمنية رسمية في دولة تحترم المعايير المهنية والقانونية بيانات تتهم من خلالها وسائل إعلامية بـ«العمل على إرباكها وتحييدها عن مسارها الوطني» وخصوصاً عندما يكون الانتقاد مبنياً على حقائق موثّقة ومعلومات دقيقة وتحليل منهجي محترف.
إن «الأخبار» حريصة على سمعة مؤسسة قوى الأمن الداخلي وعلى صدقيّتها أمام المواطنين أوّلاً، لذا، لن تتساهَل في تدقيقها في قانونية وحرفية كلّ عمل يقوم به عناصرها وضباطها وكلّ موقف يتخذونه. وبهذا الخصوص، لا بدّ من تسجيل بعض الملاحظات:
أولاً، إن ايفاد خمسة ضباط من بينهم رئيس الأركان ورئيس إدارة الخدمات الاجتماعية في قوى الأمن الداخلي إلى مؤتمر لمكافحة الإرهاب البيولوجي والكيماوي والنووي، تحضره ست دول بينها الكيان الصهيوني، بينما أوفدت الدول الأخرى ثلاثة ضباط، كحدّ أقصى، متخصصين بمكافحة الإرهاب، أمر يثير الاستغراب وهو من مسؤولية المديرية العامة لقوى الأمن ووزير الداخلية.
ثانياً، إن إيفاد الضباط الخمسة إلى مؤتمر في باريس لمدة عشرة أيام يكلّف خزينة الدولة 45 مليون ليرة تقريباً، وهذا المبلغ كان يمكن استخدامه لتجهيز ثلاثين مخفراً بأجهزة كمبيوتر أو في إطار مختلف، لشراء ثلاثين جهاز كمبيوتر للقضاة المنفردين الجزائيين المحرومين من أبسط اللوازم. وهنا يبدو اهتمام الحكومة منصبّاً باتجاه البوليس بدل أن يكون منصبّاً بالتجاه القضاء والمحاكم.
ثالثاً، إن كل المعلومات والوقائع التي نشرتها «الأخبار» صحيحة ودقيقة، ولم تنكر قوى الأمن الداخلي ذلك في بياناتها، لذا، فإن «الأخبار» ليست مخوّلة، بحسب قانون المطبوعات، نشر توضيح أو ردّ صادر بهذا الخصوص. لكن، رغم ذلك ورغم تضمّن التوضيح اتهامات غير مبنية على الواقع، واحتراماً لرأي المديرية العامة لقوى الأمن، نُشر التوضيح في العدد السابق.
رابعاً، إن المادة الرابعة من الفصل الثاني من قانون المطبوعات والتي ذكرها بيان قوى الأمن لا تمنح المديرية العامة لقوى الأمن حقّ طلب نشر تصحيح أو تكذيب، بل تنصّ على أن «لوزير الإعلام أن يطلب إلى المدير المسؤول (لا رئيس التحرير كما ورد في البيان) نشر تصحيح أو تكذيب يرسله إليه».
خامساً وأخيراً: إن قوى الأمن الداخلي مؤسسة لخدمة المواطنين بعيداً عن السياسة والسياسيين، وليست مخوّلة الدفاع أو الالتزام بمواقف وزير الداخلية أو الحكومة ورئيسها الشخصية أو السياسية، كما إنها ليست جهازاً لحماية مذهب أو طائفة على حساب أخرى، ولا يجوز أن تنتشر بين الناس أخبار عن انحياز مديرها العام وضباط آخرين لـ«قوى 14 آذار» على حساب قوى أخرى، أو عكس ذلك. لذا، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه المؤسسة ليس «المخابرات السورية» ولا «المدّ الشيعي» ولا «التدخّل الإيراني أو الأميركي»، بل التحدي هو حفاظ ضباط وعناصر المؤسسة على الحيادية الكاملة، والابتعاد كلّياً عن التلميح، ولو عن غير قصد، بالانحياز.