إبراهيم الأمينتتجه العلاقات العربية ـ العربية إلى مرحلة جديدة، يتوقع أن تأخذ شكلاً مختلفاًَ بعد القمة العربية المقرر عقدها في دمشق أواخر الشهر الجاري. ويتركز اهتمام الدبلوماسية العربية الناشطة الآن على ترتيب الأمور بين الدولة المضيفة وعواصم أخرى، ولا سيما السعودية، ومعها بدرجة أدنى مصر والأردن، على ترتيب العلاقات لناحية تأجيل انفجارها، لا تسوية الخلافات بصورة نهائية. وهو أمر يعرفه كثيرون من العاملين على خط الوساطات. وعندما تجري مفاتحة هؤلاء بما يبحثونه تفصيلاً يفضّلون عدم التطرق إلى ما هو تفصيلي، لأنهم يتحدثون بصراحة عن أن المشكلة لا تتعلق بالترتيبات التي يفترضها الآخرون، بل بالجوانب الشكلية التي توفر انعقاد القمة دون مشكلات كبيرة. ويركّز الوسطاء على أن قرار البعض مقاطعة القمة بقصد تعطيلها لن يؤدي غرضه، ثم إن مؤسسة الجامعة العربية سوف تتضرر أكثر مما هي عليه اليوم، الأمر الذي من شأنه فتح الباب أمام أنواع أخرى من المشكلات التي تصيب كل مجموعات العمل العربي المشترك.
وبحسب بعض المتابعين، فإن الأمور التي سوف تكون محل تشاور في الأيام الفاصلة عن القمة هي:
أولاً: جدول الأعمال السياسي للقمة، حيث ترفض السعودية ومعها مصر والأردن ودول أخرى تعديل الوجهة العامة التي قامت بعد قمة بيروت، وعلى أساس مبادرة الملك عبد الله للسلام، وحيث هناك خشية من أن ترفع سوريا سقف الموقف السياسي نحو دفع العرب إلى اتخاذ طريق آخر فيه بعض التصلّب في مواجهة اللامبالاة الإسرائيلية بالمقترحات العربية من جهة والانحياز الغربي الكبير إلى جانب إسرائيل.
ثانياً: موضوع العلاقات العربية مع إيران، حيث تصر السعودية ومعها مصر والأردن على عدم دعوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى القمة العربية وإلقاء خطاب. ويرى الفريق العربي الرافض لدعوة الرئيس الإيراني، أنه سوف يكرر ما قام به في قمة مجلس التعاون الخليجي في قطر قبل بضعة شهور، عندما تجاهل المواضيع الخلافية، وحصر بحثه في مقترحات لتطوير العلاقات بين بلاده ودول المجلس، وأنه احتفظ بموقفه المتشدد من ملفات العلاقات مع الأميركيين في المنطقة إلى جانب عدم تطرّقه إلى الملف النووي الذي يقلق هذه الدول مثلما يقلق الولايات المتحدة وإسرائيل.
ثالثاً: يريد قادة الدول العربية المختلفة من سوريا ألا تقدّم في القمة أي جدول أعمال جديد بشأن الملف اللبناني، ويصرّون على أن تقدّم دمشق تنازلاً يكون بمثابة ثمن لاحق لمشاركتهم في القمة من خلال دعم عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان بمعزل عن مطالب قوى المعارضة.
رابعاً: تريد هذه الدول أن تبتعد سوريا عن الموقف المتهمة به، الذي يقول إنها هي من تشجع قوى المقاومة الفلسطينية على اتخاذ المواقف المعطّلة برأي الفريق العربي ـ الأميركي لمشروع التسوية الفلسطينية الداخلية، أو لمشروع السلام مع إسرائيل.
وفيما يشير الوسطاء إلى أنه لا أحد يملك الآن قدرة الضغط على أيّ من الطرفين لتعديل الموقف من هذه العناوين الخلافية، يتحدثون عن صعوبة عزل سوريا الآن، وخصوصاً أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فتح الباب على مجموعة جديدة من الأخطار المحدقة بالدول العربية المنتمية إلى تيار الممانعة، وبالتالي تصعب مطالبة سوريا بمواقف مختلفة من ملف فلسطين، لأن في ذلك ما يتناقض ومسار الأمور، إذ إن سوريا تشعر بأنها في قلب المعركة الآن، وأنها مستهدفة مثلها مثل قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، وهي لا تريد التنازل عن موقفها الداعم لهذه القوى، وهي ترى أن على القوى العربية الأخرى أن تمارس هذه السياسة، لا أن تنتقل إلى مرحلة الضغط الإضافي على قوى المقاومة في لبنان أو فلسطين.
إلا أن هذه النقاط الخلافية سوف تعود للانفجار بقوة بعد القمة العربية، والمهم برأي الوسطاء، أن تجري الآن تهدئة الموقف بصورة تمنع الانفجار سريعاً، ولا سيما أن الوسطاء أنفسهم يشعرون بقوة الضغوط الأميركية. ويعتقد هؤلاء بأن النجاح الذي يريدونه في مهمتهم هو في تجميد هذه الخلافات لنحو سنة، وفي بال هؤلاء أن على العرب تفادي التوترات في ظل المرحلة الانتقالية الذي يشهدها العالم بفعل الاستحقاق الأميركي.
ويرى الوسطاء، وبعضهم على علاقات جيدة مع الأميركيين، أن إدارة الرئيس جورج بوش تريد التوصل إلى نتائج بأي ثمن خلال الأشهر الستة المقبلة، وهي مستعدة لتشغيل كل من يدور في فلكها من أجل تحقيق هذه النتائج، سواء في العراق أو فلسطين أو حتى في لبنان، وأن واشنطن تحرّض دون توقف على إيران وسوريا والقوى العاملة أو المتحالفه معهما. ولا يستبعد الوسطاء أن تقوم إدارة بوش بتحريض إسرائيل على شنّ عدوان واسع على لبنان وسوريا في الأشهر القليلة المقبلة، وهو يدرج التحرك العسكري الأميركي قبالة شواطئ لبنان وسوريا وفلسطين في هذا السياق.
ومع أن أصحاب هذا الرأي يتحدثون عن مشكلات كبيرة قد تبرز أمام الأميركيين والإسرائيليين في حالة التصعيد الشامل، إلا أنهم يتحدثون بكثير من الغضب عن موقف العواصم العربية الضاغطة باتجاه الانفجار. ويرفض هؤلاء الحديث عن أن مصير أنظمة هذه الدول بات رهن المشروع الأميركي، ويعتقدون بأن هناك مبالغة في التهويل على هذه الحكومات من جانب الأميركيين، وأن الشعوب العربية تدرس الآن موقفها من حكوماتها أو الأنظمة التي تحكمها ربطاً بتجربة العراق، وأن معارضين أشداء لحكومات عربية عدة يعلنون الآن صراحة استعدادهم للتعايش مع هذه الأنظمة لبعض الوقت، ولا يقومون بمقايضة تجعل بلادهم مسرحاً لفوضى كالتي تقوم الآن في العراق.
ولذلك، فإن الوسطاء الذين لا يتوقفون عن الاتصال بجميع أطراف الأزمة العربية، يرون أن الاختبار الفعلي يكون في البيان المفترض صدوره عن القمة العربية المقبلة. فهل تكون صياغته على طريقة ربط النزاع أم على شكل مقدمة للانفجار المقبل؟ ويحذر هؤلاء من أن لبنان هو أكثر الدول هشاشة، وبالتالي فقد يكون هو ضحية أي انفجار لاحق.