جان عزيزغريب حصر القوى السياسية المتساجلة حول القانون العتيد للانتخابات، نقاط بحثها في مسألة الدوائر الانتخابية، علماً بأن سلوك هذه القوى، لناحية إدارتها عمليات انتخابية معروفة، أو لناحية تمسكها منذ الآن بمواقع حكومية وإدارية تشرف على الانتخابات، يؤكد إدراكها أن صحة الاقتراع في لبنان أبعد من حجم دائرة الانتخاب. علماً بأن بعض هذه المقتضيات تضمّنها المشروع النهائي، والمنسي، لهيئة فؤاد بطرس، ما يزيد القلق حيال تجاهله وتناسيه. وفي كل الأحوال فثمة معايير باتت معروفة للحكم على سلامة العمليات الانتخابية. وهي منبثقة من مختلف الاستحقاقات الانتخابية الماضية وقوانينها وممارساتها، كما من العودة إلى التقارير المحلية والدولية التي تناولت هذه الاستحقاقات. ويمكن الاستنتاج أن ثمة ثغراً تعتري النظم الانتخابية، وهي ثغر قابلة للمعالجة، انطلاقاً من استعراض طبيعتها، كالآتي:
1 ـ اعتماد البطاقة الانتخابية في وضعها الراهن، وعيب هذه النقطة يتمظهر في استعمال السلطة لهذه البطاقة كوسيلة ضغط على البعض وتقييد للحق في الاقتراع، كما في فرض قيود جغرافية على الناخب لجهة اضطراره للانتقال من مكان إقامته الفعلية إلى مكان قيده الانتخابي، لممارسة حقه.
وفي المقابل، تبدو الحلول الممكنة لهذا النقص سهلة، إن لجهة إلغاء البطاقة الانتخابية واستبدالها ببطاقة الهوية، أو لجهة الإبقاء عليها مع جعل مهلة تسليمها مفتوحة على مدى أيام السنة، بمعزل عن الفترات الانتخابية، ومع مكننة عملية الاقتراع عبر البطاقة (أو الهوية) بما يسمح بتخطي القيود الجغرافية ويحد من إمكان التزوير في آن معاً.
2 ـ نسبة تمثيل المرأة في المجلس النيابي اللبناني، وهي نسبة متدنية، ولا تتعدى الخمسة في المئة حالياً، علماً بأن بعض المراقبين يميل إلى التدقيق في هذه النسبة، لجهة تكوينها الفعلي فيعتبرها مقنّعة وغير دقيقة، نظراً إلى أشكال وراثتهن المختلفة لمقاعدهن، من خارج إطار الاستحقاق الفردي الكامل، بالمفهوم العلمي والغربي للممارسة السياسية. هذا الواقع الانتخابي والنيابي، يخالف في أبسط قراءاته الاتفاقية العامة لمناهضة التمييز ضد المرأة (سيدوا) التي وقّعها لبنان، وهو نقص لا حل له في المدى المنظور والمباشر، إلا باعتماد نظام الكوتا النسائية الملزمة، وإن لمدة مؤقتة ولفترة انتقالية.
3 ـ إبقاء إدارة العملية الانتخابية تحت إشراف وزارة الداخلية، إضافة إلى وزارة العدل في بعض نواحيها، يبقي النظام الانتخابي برمته خاضعاً مباشرة للسلطة الإجرائية، وخصوصاً أن لبنان يسمح بالجمع بين النيابة والوزارة، وبالتالي فهو يسمح نظرياً بإشراف مرشحين معيّنين على إدارة انتخابات ضد مرشحين مخاصمين لهم. وتجد الأوساط نفسها أن الحل النظري لهذا النقص يقتضي إيجاد هيئة مستقلة لإجراء الانتخابات والإشراف عليها.
4 ـ النقص الرابع يتمثّل في واقع الإعلام الانتخابي، ذلك أن ثمة تمييزاً قانونياً واضحاً في هذا المجال بين الإعلام المكتوب الذي أُجيز له الخوض في الإعلان الانتخابي، وبين حظره عن الإعلام المرئي والمسموع. إضافة إلى نقص كبير في تحديد معايير التكافؤ في فرص الإعلام الانتخابي بين المتنافسين. 5 ـ ويتمثّل النقص الخامس في استثناء بعض الشرائح اللبنانية من الحق في الاقتراع، بما يعيب كونه اقتراعاً عاماً فعلياً. وهذه الاستثناءات موزّعة بين ما هو دستوري، مثل سن الاقتراع، وما هو قانوني، مثل استثناء عناصر القوى المسلحة على اختلافها من الاقتراع، ومنها ما هو واقعي، مثل حرمان المواطنين اللبنانيين الموجودين خارج الأراضي اللبنانية من ممارسة هذا الحق الأساسي.
6 ـ كيفية ضبط عنصر المال وتأثيره في الانتخابات، ذلك أن وضع سقف قانوني للإنفاق الانتخابي المباشر لا يشكل ضابطاً كافياً في بلد متفلّت من أي رقابة على المداخيل كما على التحويلات المالية المختلفة الأشكال. وبالتالي كيف يمكن ضبط ما يسمى مساعدات اجتماعية يقدمها السياسيون أثناء الحملات الانتخابية أو خارجها، من دفع أقساط مدرسية إلى الفواتير الاستشفائية، إلى ظاهرة جيوش المندوبين المدفوعي الأجر، وصولاً إلى المكاتب والسيارات والتقديمات وغيرها. والأهم أنه كيف لقانون انتخابي أن يعالج مثل هذه التحايلات في غياب التشريعات اللازمة ضرائبياً ومالياً ومصرفياً؟
7 ـ ثمة عيب آخر يتعلق بحرمان قسم من اللبنانيين من حقهم في الترشح في مناطق قيدهم، مع الإبقاء على حقهم في الاقتراع في تلك المناطق. وهي حال المواطن المنتمي إلى مذهب معيّن، لا مقعد نيابياً مخصصاً لمذهبه في الدائرة التي تضم قيده الانتخابي، وهذا ما يفرض عليه إمّا القبول بحرمانه هذا الحق في الترشح، وإمّا اللجوء إلى دائرة غير دائرته.
8 ـ أيضاً ثمة حرمان أكثر حساسية في هذا الإطار، ويتمثل في حرمان اللادينيين من تجسيد حرية ضميرهم وتفكيرهم في العملية الانتخابية، لا ترشيحاً ولا اقتراعاً، علماً بأن هذه المسألة تكتسب بعداً حساساً في الواقع اللبناني، غير أن التزام لبنان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يفترض طرحها والبحث عن الحلول الناجعة لها.
هذه النواقص تشكل معيار صحة القانون الانتخابي ودقة تمثيله، من دونها قد تبدو كل صيغ الدوائر مجرد «مشكلة مغلوطة».