واشنطن غاضبة من تأجيل الانتخاب والحكومة آسفة وحريصة على «الأصول»هل ينجح «ما بين القمّتين» في تحقيق ما عجز عن تحقيقه «ما بين الآذارين»؟ سؤال يختصر تباين المواقف بين التشاؤم والقلق والخوف من الحروب، والتطمينات والتفاؤل بنجاح الجهود الإقليمية والدولية «إن شاء الله ويمشي الحال»
بعد «ما بين الآذارين»، قرر رئيس مجلس النواب نبيه بري تأجيل جلسة انتخاب رئيس جديد إلى 25 آذار الجاري، أي قبل القمة العربية في دمشق بأربعة أيام وبعد القمة الإسلامية باثني عشر يوماً. وقد اتصل بالأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وتداول معه في الأزمة والتحرك ما بين القمتين.
وفسّرت كتلة التنمية والتحرير، بعد اجتماعها أمس برئاسة بري، اختيار الموعد الجديد للجلسة بأنه لـ«إعطاء المزيد من الآمال بأن تفتح القمة الإسلامية الباب من أجل تقريب الحلول التي باتت أقرب إلى المنال». كما توقفت أمام ما وصفته بـ«الإشاعات وبعض الكلام الخارج عن حدّه بشأن الأوضاع في المنطقة، الأمر الذي أوجد حالة من القلق والهلع لدى اللبنانيين عموماً وأهالي الجنوب والبقاع خصوصاً»، مطمئنة إلى «أن هذه التحليلات مليئة بالمغالطات والمبالغات التي لا تصب في مصلحة الوطن»، وأكدت «أن موجة الهلع في غير محلهاوأثار التأجيل الجديد «غضب» البيت الأبيض الذي قالت المتحدثة باسمه دانا بيرينو: «هذا التأخير المتواصل غير مقبول، ونحن قلقون جداً»، ودعت «الذين يتدخلون» في الشؤون اللبنانية إلى «وقف تدخلهم والسماح للبنانيين» بانتخاب رئيس. كذلك أبدت الحكومة اللبنانية، في بيان تلاه وزير الإعلام غازي العريضي، بعد اجتماع وزاري برئاسة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، أسفها للتأجيل «بما يترك مركز الرئاسة شاغراً ونحن على أبواب عقد قمة عربية بعد أيام»، وأكدت «على أن الجمهورية اللبنانية لا تزال موجودة، والحكومة حريصة على حمايتها وحماية سيادتها وحقوقها ودورها، وبالتالي على التعاطي معها وفق الأصول وبما يحفظ كرامتها وكرامة مواطنيها بغض النظر عن الخلافات السياسية بينهم».
وفيما أعرب السفير البابوي لويجي غاتي، بعد لقائه الرئيس أمين الجميل، عن قلقه على الوضع واستمرار الأزمة «مع انسداد وتعثر كل المبادرات»، وأعلن أنه سيجري كل الاتصالات «من أجل التشجيع على إيجاد الحل»، تحدث السفير الإيراني محمد رضا شيباني، بعد زيارته الوزير المستقيل فوزي صلوخ، عن تطورات «وإن شاء الله يمشي الحال»، محدداً هذه التطورات بـ«جهود مكثفة من كل الأطراف الإقليمية والعربية والإسلامية باتجاه مساعدة لبنان لحل أزمته»، وقال: «عملنا يقوم على مساعدة القيادة السياسية والشعب اللبناني، ولكن عليهم أن يطلبوا الحل ويسيروا في طريقه، ونحن مستعدون لبذل جهودنا». ونفى الاتهامات لبلاده بأنها تريد استمرار الفراغ، مشيراً إلى أن الاستقرار في لبنان يساعد الاستقرار في المنطقة.
وفيما رأى النائب محمد الحجار «أنه لا أمل من تحديد مواعيد جديدة» لجلسات انتخاب الرئيس «ما لم تفكّ المعارضة الثامن آذارية تحالفها مع المحور السوري ـ الإيراني ولم تغلب هذه القوى مصلحة الوطن على أي مصلحة عقائدية فئوية أو شخصية موقعية»، توقع زميله مصطفى علوش حدوث «الكثير من الأمور» من الآن لغاية 25 آذار «قد تغير المسار، ما قد يؤدي ربما إلى انتخاب رئيس أو عدمه»، متحدثاً عن «معطيات تقول إنه في اللحظة الأخيرة سيسهل النظام السوري انتخاب رئيس»، بفعل مقاطعة «دول أساسية» لقمة دمشق أو خفض مستوى تمثيلها فيها.
الدعوة إلى القمّة ومواقف من التمثيل

وبعد تأجيل الجلسة، بدأت قضية دعوة لبنان إلى القمة العربية تأخذ طريقها إلى التنفيذ، ونقلت «الوطن» السورية عن مصدر رسمي رفيع توقعه وصول الدعوة غداً عبر الأمانة العامة للجامعة العربية. ورأى تبايناً داخل الموالاة في شأن مشاركة لبنان «بين رأي يرفضها بالمطلق، وثانٍ يربطها بالموقف الرسمي لكل من مصر والسعودية، وثالث يرى أهمية هذه المشاركة وحضور القمة».
وكان النائب محمد قباني قد قال، في تصريح أمس، إن الدعوة «ليست خياراً يبحث ولا منّة تمنح، إنها الأمر المفروض باعتبار لبنان عضواً مؤسساً في جامعة الدول العربية، وهو ما لا يستطيع أحد تغييره أو تغييبه»، ورأى أن قرار مجلس الوزراء «يجب أن يكون: إما التغيب وترك مقعد لبنان شاغراً تعبيراً عن الاحتجاج على الفراغ الرئاسي، وإما الحضور بوفد برئاسة وزير مسيحي، تأكيداً للإطلالة المسيحية الوحيدة في القمة العربية».
أما النائب أنطوان زهرا فقال إن «رأي الغالبية المبدئي» هو عدم مشاركة لبنان «ما دام مقعد الرئاسة شاغراً»، لكنه أضاف أن طرح موضوع لبنان على جدول أعمال القمة «قد يدفع بالحكومة إلى تقدير جدوى مشاركة لبنان أو عدمها بالتشاور مع الأكثرية النيابية التي تدعم هذه الحكومة».

تمسّك المعارضة
بقانون عام 1960


إلى ذلك، استمرت المواقف من قانون الانتخاب والمبادرة العربية، فنقل النائب السابق بهاء الدين عيتاني عن بري «حرصاً شديداً» على قانون انتخاب «يعطي تمثيلاً واسعاً لشرائح اللبنانيين، ويزيل الهوّة الموجودة بين اللبنانيين ويردمها ويعيد اللحمة بينهم»، إضافة إلى تشديده على المبادرة «وتنفيذ كل بنودها»، و«على أهمية وحدة اللبنانيين والاتفاق في ما بينهم».
ورأى تكتل التغيير والإصلاح، في بيان تلاه النائب إبراهيم كنعان إثر اجتماعه أمس برئاسة النائب ميشال عون، أنه «ليس من المسموح اليوم تحت أي شعار كان أن نرى البحث في قانون الانتخابات ملهاة»، محذراً مما «كانوا يقومون به في فترة الوصاية، من مناورة كانت توصلنا دائماً إلى أنه قبل شهر من مدة الانتخابات، لا المرشح ولا الناخب يعرفان وفق أي دائرة انتخابية وأي قانون سيكون هناك تنافس»، وطالب الموالاة بمشروع موحد وواضح و«خصوصاً بالنسبة إلى المسيحيين الذين عانوا ما عانوه في السنوات الـ18 الماضية من وعود ووعود ووعود... وفي النهاية، يصادفنا قانون واحد، قانون سيئ الذكر هو قانون الـ2000، قانون من زوّر الإرادة الشعبية ومن همّشنا على مدى سنوات وسنوات».
ووضع التكتل كل ما يحكى عن معطيات ومعادلات إقليمية ودولية وعن حروب، في إطار البروباغندا والتهويل وتجميد الحلول، مطمئناً إلى أنه «لا حروب»، ومؤكداً أن المعارضة ضد الحرب وقادرة على تعطيل كل محاولات الإيهام بالشؤم واليأس. ووصف كنعان اللجوء إلى تعويم الحكومة بأنه «سيكون مشروعاً انتحارياً آخر». وطالب بتوضيح ما تردد عن تبديل البحرية الألمانية بقوات لحلف الأطلسي، قائلاً: «هذه السلطة مسؤولة ليس تجاه الأمراء والحكام العرب والمجتمع العربي، بل تجاه اللبنانيين. على الرئيس السنيورة أن يتحدث معنا، حتى لو كنا في المعارضة فنحن لسنا خارج الوطن».
وذكر النائب حسين الحاج حسن أن المعارضة قبلت بقانون عام 1960 «لأنه مطلب وطني بالدرجة الأولى ومسيحي خصوصاً، ويخفف من الهواجس والاحتقان، على رغم تفضيلنا للدائرة الواحدة على أساس النسبية»، وعزا رفض «فريق السلطة» لهذا القانون إلى «أن هاجسه ليس القانون بل الانتخابات نفسها التي ستفقده الأكثرية النيابية». ورأى أن بعض المواقف من مجيء الأسطول الأميركي «إعلان صريح أن ثورة الأرز هي صناعة أميركية»، وقال: «إن من أراد ربط زورقه الصغير بالسفينة الأميركية فهو حر، فإذا غرقت يغرق زورقه لا لبنان، وإذا رحلت تسحبه خلفها. عندئذ يأخذ وظيفة في بلدية نيويورك». وحذّر من التوطين «بموافقة فريق ثورة الأرز، إذا استطاعت أميركا وإسرائيل السيطرة على لبنان في يوم من الأيام»، كاشفاً عن زيارات لمسؤولين غربيين لحزب الله «تحدثوا خلالها رسمياً عن التوطين». وقال: «نعرف من يسوّق التوطين ومن يحضر صندوقاً مالياً للتعويض على الفلسطينيين».
وتساءل النائب أيوب حميد عن «نتيجة الاستعانة بالأجنبي متمثلاً بأميركا ومدمراتها؟»، ولفت إلى أن «كل آلات الدمار اختبرت سابقاً (...) ولم تمكّن البعض من أصحاب الأحلام الشاذة والعقول الخفيفة من تحقيق مشاريعه، بل ذهبوا في السابق مع نيوجرسي، وخصوصاً أولئك الذين التصقوا بالإدارة الأميركية»، داعياً «إلى قراءة التاريخ الحديث والسابق وإلى الاقتناع بأنه لا مجال لأي فريق أن يستأثر وأن يستقوي بالأجنبي ولا مجال لسلطته وقوته أن تدوما».
على صعيد آخر، أكد قائد الجيش العماد ميشال سليمان، أمام وفد من نادي الصحافة، تماسك الجيش «رغم الانكشاف السياسي الحاصل في البلاد»، وتحدث عن «وجود رغبة عامة لدى جميع الأفرقاء السياسيين بالتمسك بالوحدة الوطنية والسلم الأهلي والحفاظ عليهما»، مستبعداً «إمكان استدراج اللبنانيين لحرب أهلية». وقال «إن أي اعتداء إسرائيلي على لبنان، سيجابه بكل الوسائل المتوافرة من قبل الجيش». وأوضح أنه لا يشارك في مناقشة مشاريع الحلول لكونه لا يزال قائداً للجيش، وأردف: «إنما أستطيع ضمان روحية الطائف، وعندما يتفقون أسهر على تطبيق الاتفاق، ولا سيما أنهم مجمعون على كل العناوين الوطنية الكبرى، أما الخلافات فهي في التفاصيل».


14 آذار ... رؤية لسياسة خارجيّة وسياسة دفاعيّة


في هذا الوقت، أعلنت الأمانة العامة لقوى 14 آذار أمس، برنامج مؤتمرها الأول الذي يعقد الجمعة المقبل تحت عنوان «معاً... نحقق حلم لبنان». وأعلن النائب غازي يوسف، الذي تلا البيان، عودة هذه القوى «إلى جماهيرها لإطلاق رؤية سياسية شاملة تشدد على روح 14 آذار في المحافظة على الاستقلال والسيادة، وعلى ثقافة 14 آذار المنفتحة على الجميع والرافضة لمشاريع الغلبة والاستتباع، وعلى قدرة هذه القوى على مواجهة الأزمات والعبور بالوطن إلى الخلاص». وقال سامي نادر إن الشعار «ستنبثق منه وثيقة سياسية تطرح رؤية لسياسة خارجية وسياسة دفاعية، ولسياسات في مشروع بناء الدولة، إضافة إلى رؤية تنظيمية داخلية وتنظيم سياسي وورقة عمل». فيما كشف النائب فارس سعيد أن حركة 14 آذار «لم تأت من الفراغ، بل أتت من خلال سنوات من التحضير». وقال النائب سمير فرنجية إن هذه المبادرة «ليست مخصصة للحوار مع الآخر وإنما للحوار مع كل الناس».
وتعليقاً على ذلك، رأى النائب قاسم هاشم «أن قوى 14 آذار لم تأت بجديد»، وقال: «يبدو أن البعض في هذه القوى لا يريد لبيروت أن يكون ربيعها مزهراً، بل أن يكون ربيعها صيفاً حاراً، من خلال تصعيد الخطاب السياسي الذي من المتوقع أن يستمر خلال الأيام المقبلة»، متهماً هذه القوى بأنها تسعى إلى «إثبات وجودها وزيادة مساحة التحريض والإثارة والشحن داخل الساحة السياسية».
إلى ذلك، نفى مسؤول لجنة الإعلام في «التيار الوطني الحر» أنطوان نصر الله ما قيل عن استقالته من مسؤوليته الحزبية، وقال إن بعض الأفرقاء يئسوا من إمكان خرق «التيار» وتقسيمه، فاعتمدوا أسلوب بثّ الشائعات.