strong>راجانا حميةيبدو أنّ بعض اللبنانيين لا تزال لديهم القدرة على الحيويّة والمرح، رغم «عجقة» الاغتيالات والهزّات الأمنيّة والسياسيّة. فربّما لم يسأموا بعد. هذا ما يظهر جليّاً في الدراسة التي أجرتها الباحثة في علم النفس مريانا سلمون حول «أنواع المزاج عند اللبنانييّن». وتأتي تلك الدراسة جزءاً من دراسة ميدانيّة أكبر أجرتها مجموعة من الباحثين في مركز الأبحاث وتطوير العلاج التطبيقي في جمعيّة «إدراك» عن واقع الصحّة النفسيّة في لبنان. بيّنت دراسة سلمون أنّ «مزاج 19,6% من اللبنانيين يتّسم بالنشاط والحيويّة والمرح»، فيما استقرّ «المزاج الاكتئابي على 14,9% والانفعال على 13,9%، و15,6% للمزاجيّة في المزاج. لكن مقابل النتيجة الأولى، التي وجدها الباحثون مؤشّراً جيّداً على نفسيّة اللبناني القادر على الصراع»، لم يخلُ المزاج اللبنانيّ من «القلق» الذي «حلّ» ثانياً بعد الحيويّة، بنسبة 18,7%. وقد استندت سلمون في تقسيمها للأمزجة إلى مدى الترابط بين أنواع المزاج وعلاقتها بأنماط الشخصيّة وباحتمال التعرّض لمشاكل نفسيّة، فوصلت إلى خمسة أنواع: الحيوي والمتقلّب والاكتئابي والانفعالي والقلِق. ووجدت سلمون، من جهة ثانية، أنّ ثمّة نسبة لا بأس بها من اللبنانيين تجمع الأمزجة الخمسة في شخصيّة واحدة.
أمّا النتيجة الأخرى، التي باتت معروفة للكثيرين من اللبنانيين، فهي أنّ «زعماءهم» لم يستطيعوا طيلة سنتين من الحوار الوطني الوصول إلى حلّ، وقد تكفّلت الاختصاصيّة في علم النفس العيادي إيميه كرم في دراستها عن «تطبيق مبادئ العلاج الإدراكي في المفاوضات الصعبة ـ الحوار الوطني اللبناني نموذجاً» تبيان أسباب الفشل وكيفيّة المواجهة، استناداً إلى تحليل مفصّل ودقيق مع ستّة من قادة الأحزاب السياسيّة الذين شاركوا في هذا الحوار. وقد راعت كرم في موضوعها عدّة معطيات، أوّلها الانقسامات والنزاعات الوطنيّة والانتماءات الخارجيّة، وقد وصلت إلى نتيجة مفادها أنّ «الواقع اللبناني يعاني تمزّقاً نتيجة تمسّك كلّ من هؤلاء بمعطياته الخاصّة ورأيه الشخصيّ على حساب الاعتبارات الوطنيّة، إضافةً إلى الاختلاف في النظم العقائديّة والوزن السياسي لـ«اللاعبين» كما سمّتهم. وكذلك خلصت إلى أنّ «غالبيّة النقاشات لم تكن موجّهة نحو حل المشاكل، بل كانت مجرّد تعبير عن الرأي». أمّا أسباب «التمزّق»، فقد حصرتها كرم في نوعين رئيسيين، أوّلهما العوامل التنظيمية بسبب عدم وجود تعريفات واضحة للأزمة وضياع الأهداف وعملية اتّخاذ القرار، وثانيها العوامل العاطفيّة التي «توجِد جوّاً لا يُفضي إلى اتفاق، ولا سيما في غياب تعاريف العوامل الأولى».
ومن مبادئ العلاج الإدراكي التصرّفي الذي دعت إليه كرم ضرورة خلق خليّة تدخّلات تدريبيّة وسلوكيّة إدراكيّة تستهدف تدريب الوسطاء في عملية المفاوضات الوطنيّة والدوليّة وتسوية المنازعات... أمّا في الشكل العام، فقد دعت كرم إلى توجيه التفكير نحو البناء بدلاً من التفكير الهدّام، واستخدام استراتيجيات حل المشكلة بدلاً من تضاربها، إضافةً إلى بحث وتسليط الضوء على القواسم المشتركة التي تسهم في توفير إطار لحلّ النزاعات بين الأطراف والارتقاء في الآراء إلى مرتبة الأولويات في الحوار.
ونالت الحالة النفسيّة في حرب تمّوز جزءاً من الدراسة، إذ بيّنت الدراسة المشتركة التي قامت بها الاختصاصيّة في علم نفس الأطفال كارولين قرداحي والدكتور جون فيّاض عن تأثيرات عدوان تمّوز 2006 على الأطفال والمراهقين في جنوب لبنان والضاحية الجنوبيّة لبيروت أنّ 14,4% من المراهقين شكوا بدرجات متفاوتة عوارض نفسيّة مرتبطة بالحرب. وتشير الدراسة إلى أنّ 27,3% من المدرّسين بيّنوا بدورهم أنّ الفئة الأكثر معاناة بعد الحرب كانت فئة الأطفال بين 8 و11 سنة. ووجدت الدراسة أيضاً أنّ الحل الأكثر شيوعاً في تلك الفترة التي لجأ إليها المراهقون كانت الصلاة، إذ مارسها 75% منهم.
وعرض الرئيس التنفيذي للجمعيّة الدكتور إيلي كرم دراسته عن صحّة لبنان النفسيّة والعقليّة، إذ أجرى مسحاً شاملاً للأمراض العقليّة والاضطرابات النفسيّة والأمراض الجسديّة المزمنة. وتأتي هذه الدراسة ضمن مشروع «الصحّة العقليّة والنفسيّة »، بالتعاون مع كلّية الطب في جامعة هارفرد ومنظّمة الصحّة العالميّة.
يُذكر أنّ دراسة «إدراك» عن واقع الصحّة النفسيّة كانت بالتعاون مع دائرة طب النفس في مستشفى القدّيس جاورجيوس الجامعي وكلّية الطب في جامعة البلمند.