إبراهيم الأمينليس في لبنان من يشعر بقرب التوصل إلى حل سريع للأزمة السياسية الداخلية، وبحسب مصادر واسعة الاطّلاع فإن الجهود المبذولة على الصعيد العربي ـ العربي تسعى إلى ترتيب ما يمكن ترتيبه بشأن القمة العربية المزمع عقدها في دمشق. وتنفي هذه المصادر وجود مبادرات ذات قيمة يمكن الاتّكال عليها لإنتاج حل للأزمة اللبنانية. وتقول هذه المصادر إن أهم ما في المتابعات القائمة الآن هو سعي دول عربية بارزة إلى منع الأمانة العامة للجامعة العربية من إعلان تفاصيل الجولات الأخيرة من التفاوض حيث ظهرت قوى 14 آذار رافضةً لأي تفاهم أو تسوية ذات بعد مستديم.
وتلفت المصادر إلى أن الضغوط القائمة داخلياً بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد واشتداد التوترت ذات الخلفية الطائفية والمذهبية، والخشية من تجدد العدوان الإسرائيلي على لبنان، دفعت بالمعارضة إلى إجراء مراجعة قبل الزيارة الأخيرة لعمرو موسى إلى بيروت، وجرى خلالها تذليل مجموعة من العقبات أمام تفاهم متكامل في ما بينها على طريقة التعامل مع مشاريع الحل المقترحة. وقالت إن العماد ميشال عون قبل بمبدأ التوزيع المثلث للحصص الوزارية مع ضمانات معقولة، فيما قبل الرئيس نبيه بري باعتماد القضاء دائرة انتخابية. وفي الحالتين، بدا الاقتراب من الحل بيد فريق الأكثرية الذي لم يُخفِ رفضه أي تسوية، حتى إن مسؤولاً عربياً سأل موسى حقيقة موقف النائب سعد الحريري وما إذا كان فعلاً قد أعلن رفضه التسوية وطلب تسجيل موقفه في المحضر، فلم ينف موسى الأمر وإن قال كلاماً أراد منه تحقيق توازن غير حقيقي بين مواقف الفريقين بأن أشار إلى أن المعارضة لن تسهل التوصل إلى حل أيضاً.
ومع أن الجهات البارزة في بيروت والمنطقة تشير إلى تعرض الجامعة العربية كمؤسسة لنكسة كبيرة بفعل طريقة إدارة الجولات الأخيرة من المفاوضات اللبنانية، فإن عتب هذه الجهات على موسى في أنه لا يشير إلى مواقف فريق الأكثرية من عدد من الخطوات الإيجابية، وكيف أنه لم يقرّ بأن الرئيس بري سبق أن أبلغه استعداده الشخصي لفك تحالفه مع حزب الله ومع التيار الوطني الحر إن وافق الحريري على المثالثة، كما إن موسى لم يحاول جدياً مع الدول العربية المؤثرة على قرار فريق الأكثرية لأجل إقناعها للسير بهذه التسوية أو حتى بالاقتراح الذي قدمته سلطنة عمان، ويقضي بحكومة حيادية انتقالية تجري انتخابات نيابية مبكرة بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
وتلفت المصادر إلى أن الاتصالات التي جرت بين قوى المعارضة خلال الفترة الأخيرة أظهرت بما لا يقبل الشك أن القدرة على إحداث اختراقات في جدار الأكثرية أمر يحتاج إلى جهود تتجاوز القوى المحلية، لافتة إلى ضغوط غير مسبوقة من جانب الولايات المتحدة الأميركية والسعودية على أطراف هذا الفريق لمنعه من السير بأي تسوية من شأنها إدخال البلاد في موجة استقرار. حتى ولو كان بين قوى الأكثرية من يريد هذا الاستقرار. وتخلص المصادر إلى القول في هذا الإطار إن التجربة الأخيرة من الحوارات أتاحت المزيد من التماسك بين قوى المعارضة، وحسمت الجدل داخلها حول حقيقة موقف فريق الأكثرية، إضافة إلى حسم نقاش آخر يتعلق بتقدير الموقع الفعلي للأمانة العامة للجامعة العربية وطريقة إدارتها للحوار.
ومع أن بري يتمسك دون غيره من قيادات البلاد بإشاعة مناخات تفاؤلية، ولو كان يلعب لعبة كسب الوقت، إلا أنه يعرف أن البديل هو إطلاق موجات من التوتر والتشاؤم بما يعزز التوترات القائمة على الأرض. وهو سيبقى على موقفه هذا، وسبق أن أبلغ موسى وقيادات عربية أخرى بأنه مع أي نوع من الحوار، لكنه ليس مع إحباط الجمهور من خلال عمليات تمويه كبرى تجري تحت عنوان الحوار. ولكن بري لا يلحّ لإحراج أحد في الحديث صراحة عن أسباب العرقلة، وهو الذي يتمسك برأيه في أن الخلافات السورية ـ السعودية ذات الخلفية الأميركية سوف تظل السبب المانع لتوافق لبناني ـ لبناني. لكن الجديد لدى رئيس المجلس كما لدى قيادات المعارضة الأخرى تعاظم المناخات التحريضية لدى قوى بارزة في فريق الأكثرية، ولا سيما أن قادة في تيار «المستقبل» ومن جماعة وليد جنبلاط وسمير جعجع يكثرون من الحديث عن تطورات حاسمة مقبلة على المنطقة، وعندما يحلو لهم التوسع يتحدثون عن حروب قاسية آتية سوف تقضي على سوريا وحزب الله، وأنه لا داعي لأي تسوية لن تكون ذات عمر مديد ما دامت التطورات الجارية سوف تقود بحسب رأي هؤلاء إلى نتائج مغايرة.
وبالنسبة للمرحلة المقبلة، فإن المصادر الواسعة الاطلاع تدعو إلى عدم إضاعة الوقت في متابعة تفاصيل لبنانية لا طائل منها، وإن التركيز يجب أن ينصبّ على الكلام الإسرائيلي ـ الأميركي عن الاحتمالات المتعاظمة لاندلاع الحرب في المنطقة، سواء من خلال استكمال العدو لحملته على قطاع غزة أو من خلال شن عدوان على سوريا ولبنان. وتلفت في هذا الإطار إلى أن الأمور تسير وفق منطق غير واضح، وأن الأوضاع الداخلية في كل الدول المعنية بهذه الحرب تنبئ بما هو صعب. لكن هذه المصادر تسأل عن سبب التركيز على الوضع اللبناني، فيما الأمور ليست كثيرة الاستقرار في دول عربية أخرى، بما في ذلك الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة الأميركية في موقع الدول المضمونة الاستقرار والتي تعدّ في قلب محورها.
لكن هل هذا يعني أن على اللبنانيين انتظار حرب جديدة أم أن عليهم ضبضبة أمورهم الداخلية؟ تسأل المصادر وتجيب بأن لا أحد يمكنه إسقاط احتمالات الحرب، لكن أحداً لا يمكنه الآن الجزم بأنها واقعة اليوم أو غداً، وبالتالي فإن مهمة منع الانفجار الداخلي تقع على عاتق الجميع وفي مقدمهم قوى المعارضة التي لا تخفي شكوكها في وجود رغبة أميركية ـ إسرائيلية، فإن اندلاع حرب أهلية داخلية تكون عوناً للعدو إذا قرّر شن حرب جديدة على لبنان.
أما الذين يربطون اندلاع الحرب بالرد المتوقع من جانب حزب الله على اغتيال القائد العسكري في المقاومة الشهيد عماد مغنية، فإن من بيده الأمر لا يملك لهؤلاء إلا دعوتهم إلى الانتظار، وإن غداً لناظره قريب!