المهنة الأقدم في التاريخ، زبائنها لا يقلّون، لكن التخلّص منها هاجس لكثيرات يبحثن عن بديلالوصول سهلٌ إلى مركز جمعية دار الأمل، لكنّ الحديث مع اللواتي يرتدنه ليس كذلك. رفض قاطع في البداية تحت حجة «ماذا سأستفيد إن أنا تكلمت؟»، ثم تردّد يطول ساعات قبل أن توافق إحداهنّ على الحديث عن تجربتها في «مهنة» لم تخترها بل «فُرضت» عليها فرضاً كما تؤكد
مي خليل
إنها (د.س)، في العقد الثالث من العمر. تبدأ كلامها بعبارات مرتبكة تحمّل فيها أهلها مسؤولية ما حصل معها: «اغتُصبت في الثانية عشرة من عمري أمام أبي وأمي من دون أن يكون لي وقتها إلا حق الصراخ الذي ما زلت أسمعه حتى الآن، وبموافقة مطلقة من والدي الذي وقف مجرد شاهد على الجريمة».
تتابع بنبرة منفعلة «صرت أهرب من أهلي إلى الشارع وهناك يلتقطني الرجال فأمارس ما يسمى البغاء ثمناً لكسرة خبز، وشربة ماء». تعترف بأنها كانت تقدّم جسدها لقاء «سندويش» «نعم كنت أفعل ذلك لأروي عطشي وأسكت صراخ جوعي من دون أن أدري ما الذي يحصل لي».
في مرحلة من المراحل عملت في خدمة البيوت «حرقوني، صبّوا الماء الساخن على جسدي». كان ذلك قبل أن تتعرّف إلى جمعية دار الأمل التي أجرت لها عملية جراحية للتخلص من قسم كبير من الحروق وسهّلت لها حياتها إلى أن تزوّجت وأسّست عائلة مؤلفة من ثلاثة أولاد. إلا أن زوجها غادر الحياة تاركاً لها مسؤولية كبرى، رغم ذلك تؤكد أنها لن تسقط مجدّداً في وكر الدعارة من أجل أولادها «سأحميهم، فأنا أخاف عليهم أكثر من نور عيوني، ولن أكون كأهلي».
قصة (ل.ف) لم تكن مختلفة «كنا أسرة كبيرة لعائلة فقيرة جداً فأجبرني أبي على العمل كخادمة» حيث اغتصبها صاحب المنزل الذي كانت تعمل فيه. هربت منه ولم تعد إلى عائلتها، إلى أن تزوجت معتقدة أن الزواج سينقذها مما هي فيه، فإذا به يدفعها مجدداً إلى عالم البغاء مقابل أن يحصل الزوج على المال «شعرت بعد ذلك بأن الحياة معه أصبحت مستحيلة ولم يكن أمامي إلا أن أهرب منه وأستمر في مهنة البغاء مقابل أن أحصل أنا وحدي على المال». وبالفعل استمرّت مأساتها إلى أن تعرّضت لنزف حاد فأجريت لها عملية استئصال رحم، وبدأت ترتاد جمعية دار الأمل طلباً للمساعدةتأسست هذه الجمعية عام 1970 لمساعدة الفتيات والنساء ضحايا العنف، الدعارة، سوء المعاملة والاستغلال. كان مركزها الأساسي في منطقة الزيتونة التي كانت تضم مومسات من مختلف الجنسيات (روسيات، كنديات، أميركيات) إلا أن المبنى دُمّر كليّاً خلال أحداث 1975. واستقرّ المركز حالياً في سن الفيل. يترأس الجمعية السفير الدكتور جوزيف دوناتو، ويتألف مجلس الإدارة من 12 اختصاصياً ينسقون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، ومؤسسات دولية ومحلية وأفراد من المجتمع المدني.
لدى جمعية دار الأمل حالياً ثلاثة برامج: مشروع وقاية متخصصة للأطفال وخاصة الفتيات، ومشروع إعادة تأهيل قاصرات يعانين العنف والدعارة، ومشروع إعادة تأهيل سجينات بعبدا وطرابلس. تفتح أبواب دار الأمل يومياً عند السابعة صباحاً مستقبلة الضحايا، وقد ساعدت الجمعية هذه السنة نحو 70 امرأة، إضافةً إلى أطفالهن.
توضح المساعدة الاجتماعية في مركز الاستقبال والتأهيل الاجتماعي في جمعية دار الأمل نهاد البستاني بعض ما لا نعرفه عن هذا العالم، فتؤكد بدايةً أنه «لا يمكن الحديث عن مناطق مكتظة بالدعارة دون سواها، فالدعارة السرية منتشرة في كل مكان، كما أن الدعارة لا تعرف عمراً معيناً، تأتي إلى الجمعية أعمار متفاوتة من 15 عاماً إلى 50 عاماً». وتؤكد البستاني أن تخلص المرأة من الدعارة ليس مستحيلاً «يحتاج الأمر إلى إرادة وقرار قوي تأخذه المرأة وهذا يكفي للوصول الى حبل الخلاص»، وخصوصاً أن الجمعية تساعدهن قدر المستطاع للحصول على عمل «لاننا ندرك حجم الأذى النفسي الذي تعانيه الضحية، فنؤمّن لها علاجاً نفسياً، فضلاً عن احترام يتجلّى بآذان صاغية وقلوب مطمئنة». تضيف البستاني بابتسامة ملؤها الأمل «تزوجت في هذه السنة ثلاث فتيات. إنه أمر رائع...هل هناك أجمل من ذلك؟». ومن خلال علاقتها اليومية والمباشرة مع ضحايا البغاء توضح البستاني الأسباب التي تدفع النساء إلى هذا العمل «الفقر، التفكك العائلي، تعدد الزواج، كثرة الأولاد، إضافةً إلى سفاح القربى (تؤكد أنه موجود بكثرة في المجتمع)، والاعتداءات الجنسية» مشيرةً إلى أن كثيرات قدّمن أجسادهنّ فعلاً مقابل وجبة طعام، أو لقضاء ليلة في فندق أو منزل بدل المبيت في الشارع أو تحت الجسور...
يمكن من يرغب في الاستعلام، أو المساعدة، التواصل مع دار الأمل عبر رقمي الهاتف 483508/01 و241164/01