أيّ أكثريّة ستبقى مهيمنة على المجلس وكل أقليّة ستغوص في تهميشهاعلاقة الناخب بالمرشح، حجم الدوائر، لوائح مغلقة أو مفتوحة، انتخاب وفق دورة أو دورتين... عرقلة بعض القوى مستمرة لإقرار قانون نسبي للانتخاب. قوانين انتخابيّة متعدّدة اقترحت النسبية، لكن مصيرها انتهى في أدراج مجلس الوزراء، بغض النظر عمن يترأس جلساته
نادر فوز
«النسبية تضرّ فلاناً على حساب علتان»، ربما هي العبارة الأكثر شيوعاً في المجالس السياسية، إذا ناقش حاضروها القانون الانتخابي النسبي. وبعيداً عن العراقيل المتعلّقة بتفاصيل القانون الانتخابي، يطرح البعض حجة «عدم فهم الناخبين للنسبية من قبل الناخب»، واضعاً ناخبه المحترم في خانة الجهل التام. ورغم اعتراف الجميع بأنّ النسبية تسمح لكل طرف أن يتمثّل بحسب حجمه، يستمرّ استبعادها، رغم موافقة بعض قوى المعارضة شفهياً.
وفي شرحه لقانون النسبية، يقول عضو كتلة التغيير والإصلاح النائب نبيل نقولا إنه عادة ما يطبّق هذا النمط على أساس لائحة مقفلة «وفي بلدان ذات نظام حزبي حيث تكون اللوائح موحدة دون تشطيب»، لافتاً إلى تضمّن القانون الانتخابي في هذه الدول النسب والأرقام الانتخابية اللازمة للسير بها.
وعن إمكان تطبيق النظام النسبي في لبنان، يقول نقولا إنّ عوامل عديدة تعطّل السير بهذا المشروع، منها «عدم وجود أحزاب علمانية وبرامج سياسية، بل زعامات تاريخية وإقطاع»، إضافةً إلى مسألة تقسيم الدوائر «التي يمكن أن تسبّب خوفاً لبعض الطوائف في بعض المناطق»، متمثلاً بأبناء الطائفة المسيحية في الجنوب في حال تطبيق القانون النسبي ضمن إطار المحافظة كقضاء، مشيراً إلى تشجيع الدوائر الصغرى لـ«أصحاب رؤوس الأموال وذوي الخطاب الطائفي».
ويؤكد نقولا أنّ التيار الوطني الحرّ يحبّذ تطبيق النسبية في الانتخابات النيابية «لما يمكن أن تقدّم من تحفيزات للتوجّه نحو مجتمع علماني والتخلّي عن الطائفيةمن جهة أخرى، يفسّر عضو كتلة اللقاء الوطني، النائب فؤاد السعد، النسبية بأنها «تمثيل الشعب في المجلس بالنسب التي حصل عليها في العملية الانتخابية». ويستبعد السعد إمكان تطبيق النظام النسبي في ظل اختلاف وجهات النظر حول ثلاث قضايا رئيسية في أي قانون انتخابي، وهي: «المناطقية ووضع المناطق وحجم الدوائر، اللوائح المقفلة أو المفتوحة، الانتخاب على أساس دورة واحدة أو دورتين».
ويكمل السعد عرض النقاط السلبية التي يمكن أن تقف في وجه تطبيق النظام النسبي، فيقول: «يستحيل العمل وفق النسبية في بلد تحكمه الطائفية والمناطقية»، فضلاً عن ضرورة إفهام الناخب معاني القانون الانتخابي المطبّق.
وعن إمكان الانتخاب وفق دائرة واحدة موسّعة، قال السعد: «التمثيل الصحيح لا يترجم إلا بالعلاقة الجيدة بين الناخب والمرشح أو النائب». وعن تقسيم لبنان انتخابياً وفق المحافظات، يلفت السعد إلى وجود توزيع طائفي في مختلف المناطق، ما يمكن أن يهمّش بعض أقليات المناطق، معطياً أمثلة عن أوضاع كل من دوائر بعبدا ـــ عاليه، بعلبك ـــ الهرمل وجبيل ـــ كسروان.
ولعلّ أبرز المطالبين تاريخياً بقانون انتخابي على قاعدة النسبية، الحزب الشيوعي، ويقول نائب الأمين العام للحزب سعد الله مزرعاني إنّ النسبية «تعدّ الأكثر مناسبة وملاءمةً للوضع اللبناني بكل خريطته السياسية المعقّدة، إذ تؤمّن تمثيل كل التشكيلات السياسية والاجتماعية، وتمنع حرمان أي فئة من التمثّل كما هي الحال في القانون الأكثري». ويؤكد مزرعاني إيجابيات القانون النسبي «الذي يضمن أفضل تمثيل للوحة لبنان، فتتمثل القوى بأحجامها لا بأحجام منتقصة أو فائضة».
ويشير مزرعاني إلى أنّ أحد أهم أسباب الأزمة الداخلية الراهنة التوتّرات الناشئة عن سوء التمثيل الشعبي، «مما يؤدي إلى توتّرات نشهد جزءاً منها حالياً».
وعن التمثيل الطائفي والمناطقي الذي تنصّ عليه المواد 22 و24 و95 من الدستور، يرى مرزعاني أنه يمكن رؤية الأمر من الوجهة الأخرى، فبدل أن نرى عقبة في وجه تطبيق القانون النسبي، «يمكن أن نرى مدخلاً لإلغاء القيد الطائفي، الموجود أيضاً في الدستور»، مدرجاً الأمر في سياق المباشرة التدريجية لتطبيق ما ينصّ عليه اتّفاق الطائف.
وبالتزامن مع الحديث عن القانون النسبي، يعيد مزرعاني التأكيد على ثوابت أساسية يجب احترامها مع أي قانون انتخابي يعتمد، فيتطرّق إلى «المؤثرات السلبية» المتعلّقة بشراء الضمائر ومراقبة العملية الانتخابية والإنفاق المالي والإعلامي والإعلاني المتساوي، وغيرها.
ومن المطالبين الدائمين بالنظام النسبي، الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي يذكّر نائب رئيس مكتبه السياسي، توفيق مهنّا، بالمشروع الانتخابي الذي قدّمه الحزب إلى المجلس النيابي، عبر كتلة القومي، عام 1997، مقترحاً اعتماد النسبية في دائرة واحدة وتجاوز القيد الطائفي.
يعرّف مهنّا النظام النسبي بأنه «نظام انتخابي يؤمّن عدالة التمثيل وشموليته»، فيسمح للقوى الناخبة بأن تتمثّل بحسب قوّتها وحجمها الشعبي الحقيقي، معتبراً أنّ هذا القانون يضمن عدم هيمنة أية أكثرية أو حتى إلغاء أو تهميش لحق أية أقلية بالتمثّل في المجلس.
ويؤكد مهنّا إشارة اتّفاق الطائف إلى اعتماد نظام الدوائر الانتخابية الموسّعة لـ«تكون منطلقاً أساسياً للتمثيل الأصحّ». ويرى أن من شأن هذا القانون تشجيع التكتّلات الحزبية والائتلاف السياسي «علماً بأنّ العمل وفق برامج سياسية وانتخابية يعدّ خطوة تصحيحية للحياة السياسية في لبنان». ويضيف مهنّا أن من شأن النسبية تكريس العلاقة بين الناخب والبرامج الانتخابية، لا كما هو شائع العلاقة بين الناخب والمرشح، كما انها «تساعد في تحقيق الانصهار الوطني وارتقاء الوعي السياسي».


الآليّةممكنة
يطرح مدير مركز بيروت للأبحاث والمعلومات، عبده سعد، آلية واضحة لتطبيق النظام النسبي وفق ثلاث مراحل، بعد عملية الفرز النهائية، يمكن تفسيرها بشكل واضح لأي ناخب. في المرحلة الأولى، يصار إلى تحديد نصيب كل لائحة من المقاعد، فيما تتمثّل المرحلة الثانية بفرز أصوات كل المرشحين من كل اللوائح ووضع النتائج على قائمة موحّدة ليتم وضع أسماء المرشّحين بالتتالي وفق عدد أصواتهم. وفي المرحلة الثالثة، يجري تحديد المرشحين الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات وفق المقاعد الانتخابية الموزّعة طائفياً ومناطقياً. ويعدّ المرشّح خاسراً إذا استوفت لائحته عدد المقاعد التي استحقّتها أو في حال شغور المقعد المرشح عنه. وهذه الآلية التي أعدّها سعد، يقول إن الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية قد تبنّتها.