«الكتاب الصغير للأبجدية الفينيقية» هو عنوان الكتيّب الذي أعدّته نينا أبي فاضل وكتبته آن ماري عفيش ورسمت صوره تاتيانا بوشتروفا صباغ. كتيّب يتوجه إلى القراء الحديثي السن، لكنه يروي عطش كبار السن أيضاً. فجمال الرسوم التي تبسّط مبادئَ في علم اللغة يُعدّ حافزاً يدفع كل قارئ إلى إنهاء الكتيّب الذي لا تستغرق قراءته أكثر من ساعة.هذه الساعة من «اللعب» مع الحروف التي يقضيها القارئ مع الكتاب، لا يمكنها أن تمنعه من التفكير في الوقت الذي استغرقه إعداده، إذ يبدو واضحاً أنه طال شهوراً من العمل على النصوص السلسة والرسوم الخلاقة. تتميّز النصوص بصغر حجمها ولغتها المبسطة، وهي تشرح مفاهيم ومصطلحات علمية بحتة، وتبرز اختلافات كبرى في التأريخ بشكل فكاهي بعض الشيء.
أما الرسوم فهي تختصر الابتكار في الكتيب. يمتدّ كلّ حرف من حروف الأبجدية الفينيقية على صفحتين من الكتاب. نجد على الأولى رسماً يجسّد الكلمة التي تبدأ بالحرف، وعلى الثانية الحرف باللغة الفينيقية، بالإضافة إلى الكلمة وترجمتها إلى اللاتينية. كما يمكن الابتكار في الصور، فقد حاولت الرسامة أن تجسّد فكرة تحوّل الصورة إلى حرف. ترسم، على سبيل المثال حائطاً وتضع في وسطه وبين حجارته المبنية حرف الحاء الذي يتخذ في اللغة الفينيقية شكل حجارة مرصوصة: حاء ـ حائط، أو ترسم يداً وتضع في وسط المعصم حرف الياء: ياء ـ يد. لذا، يستمتع القارئ ويتسلى بمحاولة معرفة رمزية كل حرف.
تقول آن ماري عفيش إن «هذا المبدأ علمي بحت، ففقهاء اللغة الفينيقية أكدّوا أن 10 حروف ترمز في الوقت نفسه إلى الحرف وإلى الكلمة، ولكن للإبداع الفني متطلباته، فقد طلبنا من الرسامة أن تتخيّل باقي الحروف»، فأطلقت صبّاغ لمخيلتها العنان، وأتت النتيجة رائعة: رسومات بسيطة جميلة بألوان متناسقة وناعمة على البصر، تروي قصة اكتشاف غيّر وجه البشرية.
وتضيف «هذا الكتيّب هو قصة الـ22 حرفاً، وهي الحروف التي غيّرت بشكل جذري الكتابة في بداية الألف الأوّل قبل الميلاد. ففي الـ76 صفحة من الحجم الصغير، نشرح بشكل مبسّط كيف وأين ومتى وُلِدَت الأبجدية الفنيقية التي (حتى الآن) كانت السبب الرئيسي لولادة كل الكتابات الصوتية». وكلّنا يعرف أن الشعوب القديمة، قبل الفينيقية، كانت تكتب وتؤرّخ حضاراتها باللغة المسمارية أو الهيروغلوفية، وفي تلك الكتابات، الصورة ترمز الى كلمة، أما في الأبجدية الفينيقية فأصبح الصوت يرمز إلى حرف يجسّد في ما بعد كلمة.
وما يميّز هذا الكتيّب هو حجمه الصغير ونوعية الورق والدّقة في التنفيذ. فكتاب الأبجدية الفنيقية هو بمستوى الكتب الأوروبية الراقية، ولكنّه إنتاج «محلي» يتهافت على شرائه القراء في الغرب وفي لبنان، وقد أتى تمويله على شكل هبة قدّمها «محبّ للعلم والتاريخ» اشترى، قبل الطبع، ألفَي نسخة من الكتاب، طُلِب أن توزع على كلّ المكتبات العامة في لبنان. أمر محزن وحيد، هو اللغة. فالكتاب اجتاح الأسواق بالفرنسية والإنكليزية، في حين لا تزال ترجمته إلى العربية فكرة بعيدة المنال في أذهان فريق العمل. ذلك أن كلفة الكتاب بنوعية الورق والطباعة العالية جداً تمثّل عائقاً كبيراً أمام طرحه في الأسواق اللبنانية بسعر يتماشى مع أسعار كتب اللغة العربية، إذ يصل سعر هذا الكتيب إلى 12$، وهو سعر يعدّ مرتفعاً.