strong>راجانا حميّة«لسنا علمانيين بعد»... عذراً من الكاتب نصري الصايغ، فهو إلى الآن لم يجد «لبنانيّته» بعد، ولكن لا بأس في ذلك، فشباب «بيته العلماني» سلّموا بفقدانهم للبنان نصري الصايغ وعلمانيّته. ففي اللقاء الذي جمع أمس الشباب «غير الطائفيين» والعلمانيين في حلقة عن «الإعلام والعلمانيّة»، مع ناشر جريدة السفير طلال سلمان ومدير التحرير في جريدة النهار إدمون صعب، كانت «العلمانيّة» الحلم الوحيد الذي «لن يتحقّق» ـ أقلّه الآن ـ في خضمّ الطائفيّة والمذهبيّة التي «استوطنت» في البلد الصغير. لم يكن الشباب وحيدين في إيمانهم هذا، فثمّة مثقّفون يؤمنون أيضاً بغياب العلمانيّة. هناك سلمان الذي «سئم» الموضوع لأسبابٍ كثيرة لن يتمكّن هو، ولا أيّ أحد من سردها. ولكنّه سرد رواياتٍ عن واقعٍ يعيشه لبنان، حالماً بـ«رومانسيّة العلمانيّة»، وغارقاً في مستنقع «الطائفيّة والمذهبيّة». وسرد أيضاً عن ذاك الطفل الصغير الذي رفض البدء بالأحرف الأبجديّة من الألف، لأنّه عندها لن يصل إلى «الياء». فنحن في لبنان، كما يشير سلمان، نبعد عن العلمانيّة كما بالمسافة نفسها التي تبعد فيها الألف عن الياء، وشتّان بينهما. ثمّة كلمة واحدة قالها سلمان، وشدّد عليها: «وينك وين لنوصل للعلمانيّة...وأيّ علمانيّة». أسهب سلمان في الحديث عمّا نعيشه، عن الطائفيّة، عن الشاشة «الوحش» التي تدمّر في كلّ لحظة ما يحاول المثقّفون والإعلام المكتوب ترويجه عن العلمانية أو بالأحرى اللاطائفيّة، لافتاً إلى أنّ هذا الأخير وجد نفسه عاجزاً عن «المنافسة أو حتّى التكافؤ مع الإعلام المرئي ومن يموّله ويمدّه بالمعلومات». وأسف سلمان، على سبيل المزاح، أن تكون «إسرائيل هي الوحيدة التي تعاملنا بوحدة وطنيّة، فلا تستثني السنّي ولا الشيعي ولا المسيحي ولا الدرزي ولا أحداً». أمّا اليوم، فيراه سلمان منقسماً مذهبيّاً بين «سنّي وسنّي وشيعيّ وشيعي وقد نصل إلى مرحلة ينقسم فيها الأرمن، وهو ما لم نشهده خلال أصعب الفترات التي مررنا بها خلال 15 عاماً». ولكن، مع كلّ هذا، يؤمن سلمان بـ«بارقة الأمل» وإيمانه «القدري» بأنّ «الموجة التي يمرّ بها لبنان ليس لها أساس، فسرعان ما تذوب كما في المرّات السابقة، لتعاد صياغتها بطريقةٍ ما». أمّا صعب، فقد حاول في مداخلته أن يجد جواباً لسؤالٍ يؤرقه عن الوطن وهويّته وشبابه وعلمانيّته «فكيف يمكن أن يكون لهذا البلد شخصيّة، إذا لم يكن يملك هويّة وطنيّة؟».
من جهته، رأى صعب أنّ الوصول إلى الهويّة الوطنيّة هو بتطبيق العلمانيّة، على أن يبدأ كلّ علماني من المكان الموجود فيه ليعزّز علمانيّته. ويرى صعب أنّ المواجهة الأساسيّة أو المعضلة الأساسيّة التي تحول دون قيام وطنٍ علماني أو على الأقل لا طائفي تكمن في الصراع بين النظرة الخاطئة للمفهوم العلماني والمفهوم الديني المتخلّف للدّين. ودعا الشباب إلى الالتحاق بالمستقبل الذي يضمن مقوّمات الوطن الأساسيّة، لا «التخندق» في اصطفافات الزعماء و«شرانق» الطائفيّة. ورأى أنّ من واجب أي حركة علمانيّة أن تفتح الطريق أمام «المطرح الآخر» ما وراء الحاضر. أمّا في ما يخصّ الإعلام، الذي كان عنوان اللقاء، فرأى صعب أنّه لا يستطيع السير وحده من دون مساعدة المجتمع المدني والحركات والأحزاب، ومساعدة السلطة لنفسها عبر التخلّص من «سلطة رجال الدّين التي تكم تحرّكاتهم ومصائر الناس».
نصري الصايغ الذي افتتح اللقاء في «بيته» الذي يراه أولى محطّات الثورة العلمانيّة، رأى أنّ من المنطقي أن يبدأ اللبناني بكتابة مقطع إخباري مغاير للمقطع الوارد في رواية أحد الكتاب القدامى التي قال فيها: «أقرّ بإعادة التعتيم على المدينة بأسرها وإعادة تشغيل السجون ودعوة جميع الموقوفين للعودة إلى سجنهم واستكمال عقوبتهم...». فالصايغ يدعو إلى مقطعٍ إخباريّ آخر يكون نافذة للعلمانيّة للوصول إلى المجتمع بأسره. وأشار إلى أنّ من واجب الإعلام والإعلاميين إلّا يكتفوا بنبذ الطائفيّة، بل عليهم الحديث بلغةٍ علمانيّة، داعياً إيّاهم إلى إضافة مادّة جديدة قد تكون يوميّة أو أسبوعيّة، أو حتّى دوريّة عن العلمانيّة. ولكن هل ينجح هذا الاقتراح، أم تحظى العلمانيّة بزاوية شبيهة بزاوية «الأبراج»، كما علّق سلمان ممازحاً؟