دعوة إلى احتكار الدولة لحمل السلاح وطيّ صفحة الماضي مع سورياعقدت قوى 14 آذار مؤتمرها الأول في «البيال»
مستعيدة شعار «ربيع بيروت»، وذلك في الذكرى الثالثة لانطلاق ثورة الأرز وقدّمت ورقة عمل تحت عنوان
«معاً من أجل خلاص لبنان» مؤجّلةً إصدار وثيقتها السياسية حتى الصيف
«ربيع بيروت»: شعار «معاً» يتحوّل انقساماً بين ثقافتين
ديما شريف
إنّها الساعة الثالثة والدقيقة الثامنة والخمسون. تصل القائمة بالأعمال الأميركية ميشال سيسون إلى «البيال». يبدأ فوراً عزف النشيد الوطني اللبناني، معلناً افتتاح المؤتمر الأول لقوى 14 آذار، بعد تأخير دام قرابة ساعة من الوقت.
صورتان عملاقتان تلفتان الداخل إلى قاعة البيال. الأولى تضم صور شهداء انتفاضة الاستقلال، من الرئيس رفيق الحريري إلى النقيب وسام عيد، إضافة إلى أسماء كل المدنيّين الذين سقطوا معهم. أمّا الصورة الثانية فهي تركيب لصور مختارة من تظاهرة 14 آذار 2005كان «أم الصبي» فارس سعيد يجول على كل الشخصيات الجالسة في قسم الـVIP ليسلم عليهم باليد فرداً فرداً. يدخل الوزير أحمد فتفت ويقبّل سعيد أمام عدسات الكاميرات التي تتسارع لأخذ اللقطة، فيما يدخل عميد الكتلة الوطنية كارلوس إده ويكتفي بالتسليم باليد على بعض الحاضرين قبل أن يتوجه إلى مقعده. النائب وليد جنبلاط أخذ وقته في تأمّل عظمة الصورتين، قبل أن يدلي بحديث تلفزيوني ويقرر بعدها الجلوس وسط رفاقه الآذاريين. يتقبّل النائب وائل أبو فاعور التهاني بولادة ابنته، ويجول على الصفوف الأمامية للترحيب بالنواب والوزراء. على الباب الخارجي، توزَّع الفولارات الحمراء والبيضاء الخاصة بالثورة، أمّا مناصرو «المستقبل» فميّزوا أنفسهم بفولاراتهم الزرقاء. وفيما امتلأت الكراسي الألفان وخمسمئة بالحضور في بداية الحفل، سرعان ما بدأت تفرغ تدريجاً بعد كلمة سعيد، ما استدعى تدخّلاً من عريف الحفل، الزميل راشد الفايد، ليدعو الناس للعودة لأماكنهم.
وكما غاب «الربيع» عن بيروت يوم أمس، غابت الطروحات الاقتصادية عن ورقة العمل التي قدِّمت في الاحتفال لتحل مكانها أولويات المحكمة الدولية والانفتاح على الثقافات الإنسانية الأخرى، وذلك رغم الكلام الذي سبق المؤتمر عن ضرورة إيلاء الشأن الاقتصادي والاجتماعي أهمية كبرى. وشدّدت الوثيقة وكلمات الخطباء على رفض التدخّل الأجنبي، والاستقلال عن الخارج، في تركيز على الدورين الإيراني والسوري.
الجسر
الكلمة الأولى كانت للوزير السابق سمير الجسر الذي اتهم سوريا باغتيال الرئيس رفيق الحريري بسبب مواقفه المعارضة للسياسات السورية. وقام الجسر بتقييم فترة حكم الأكثرية منذ 2005، ورأى أنها لم تنجح في تلبية حاجات الناس المطلبية والاجتماعية التي وعدت بها، وفشلت في بسط سلطة الدولة على كامل التراب اللبناني. كما رأى أن قوى 14 آذار أوحت أحياناً بالاختلاف في ما بينها وبالتعارض في مواقفها دون أن يكون الواقع كذلك. وأشار في كلمته إلى وجود معوقات عدة لمسيرة الاستقلال ينبغي معالجتها، وهي تطبيق اتفاق الطائف، مسألة الطائفية، بناء مشروع الدولة وترسيخ مفاهيم العدالة. ولفت إلى أن الأداء السياسي الحالي يلامس الطائفية عبر الكلام المستمر عن المرجعيات، مضيفاً أن الديموقراطية التوافقية المتّبعة في لبنان تثير إشكاليات عديدة، وينبغي تجاوزها في المستقبل، «فالتوافق في كل مفردة أمر مستحيل، وفيه إعاقة للبلد»، وخصوصاً في ما يتعلق بالأمور الاقتصادية والاجتماعية، مشيراً إلى أن كل ما يخرج عن الإجماع يجب إقراره بالأكثرية.
ورأى الجسر أن من المواضيع الأساسية التي يجب طرحها إشكالية الحرية التي لا تعني الافتراء على الآخرين ومنع الآخرين من الإضراب. ولم ينسَ الجسر أن يتطرق إلى مخيم المعارضة في الوسط التجاري، إذ قال إن «احتلال الساحات وتعطيل الحياة والتأثير في اقتصاديات البلد ليس من الحرية، بل اعتداء على الحرية في جوهرها». وأوضح أن الإنماء المتوازن شرط أساسي لرفع الغبن عن الناس ولتأكيد الانتماء للوطن انطلاقاً من المساواة بين الناس. وتطرق الجسر في كلمته إلى المحكمة الدولية التي هي أولى الأولويات بالنسبة إلى قوى 14 آذار، رغم أنهم، وفق الجسر، لا يريدونها للثأر أو التشفي والانتقام أو التعويض. وقال إن المساءلة من خلال المحكمة ستحمي ما استشهد من أجله رفيق الحريري وسائر الشهداء. وختم الجسر كلمته بإعلان تمسك قوى 14 آذار بالمبادرة العربية، لكونها «حظيت بالإجماع» مشيراً إلى أن ما يستطيع اللبنانيون تحقيقه عبر الحوار هو الأجدى نفعاً لهم، ليعلو صوته ونبرته ويصرخ أن «المحكمة أمانة في أعناقنا».
سعيد
منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار، فارس سعيد الذي اعتلى المنبر على وقع هتافات «يا بطل»، رأى أن هذه اللحظة المهمة في تاريخ لبنان عمل اللبنانيون طويلاً للوصول إليها، وهي مدينة «لأبينا» البطريرك صفير ووليد جنبلاط، واستشهاد الحريري، وكل من اعتُقل وسُجن فترة الوصاية السورية. وقال سعيد إن الوثيقة لم تأت من فراغ، وهي بدأت مع المؤتمر الوطني الدائم واستمرت مع قرنة شهوان ولقاء البريستول. وتلا سعيد نص ورقة العمل التي حددت مكامن قوة تجمع 14 آذار، وهي الحرية وإرساء هذه القوى في لبنان ديموقراطية غير عنصرية وغير استخبارية في محيط غير ديموقراطي. أمّا مكمن القوة الثاني، فهو القدرة الكبيرة على الفعل والتأثير تنموياً، وذلك بسبب «الاهتمام الدائم بقيمة العلم والمعرفة والثقافة». وكان لافتاً الاهتمام الكبير بالعولمة التي رآها المحتفلون ميزة عظيمة. ورأت الوثيقة أن مكمن القوة الثالث هو أن شعب لبنان «معولم» قبل العولمة، ولديه قدرة استثنائية على التواصل. وأهم نقطة قوة هي العيش المشترك في زمن صراع الحضارات، إذ رأت الورقة أن اللبنانيين هم من ابتكره. ويرى معدّو ورقة العمل أن الانقسام الذي يشهده لبنان ليس طائفياً أو سياسياً بالمعنى الضيّق للكلمة بل ثقافي بين فريقين: الأول يحمل ثقافة سلام وتعايش ووصل، والثاني يتبنّى ثقافة عنف وفصل، يلغي المختلف عنه. وعددت الوثيقة الاختلافات بين الثقافتين، حيث ثقافة الوصل تساوي بين المواطنين وبين الطوائف، وتقوم على التنوّع والانفتاح، كما أنها تؤمن بمجتمع تنوّعي وتعددي، وتحاور الخصم و«تبحث عن المساحات المشتركة معه». أمّا ثقافة الفصل، فتعامل المواطنين كأعداد، والطوائف كأقليات، وتقسم العالم بين خير وشر، وتكفّر الخصوم وتخوّنهم، وتستخدم الخطاب السياسي لقتل الخصوم معنوياً تمهيداً للقتل الجسدي.
ورأى مشروع «ربيع بيروت» أنه يجب اتخاذ قرارات جذرية لإرساء ثقافة السلام عبر تأمين الوحدة الوطنية والاستقلال عن الخارج، إضافة إلى بناء دولة مدنية حديثة لا تميّز بين مواطن وآخر. ورأت الوثيقة أن السيادة هي انتظام المؤسسات وإيكال الأمن إلى الدولة دون غيرها لتملك وحدها القوة المسلحة. وكي لا يُتّهموا بتغييب مبدأ المقاومة عن ورقتهم، رأى معدّو الوثيقة أن حماية الاستقلال تكون عبر إعادة الاعتبار إلى المقاومة التي تعزز قوة الدولة. ولكن تتم مواجهة الخطر الخارجي فقط عندما يكون الشعب موحداً والدولة فاعلة. فلا يمكن قيام مقاومة تفرز الشعب بين أكثرية خائنة وأقلية وطنية. وأشارت الورقة إلى أن هدف المقاومة يجب أن يكون بناء الدولة الحرة، وهذا ما يحدد فشل أو نجاح هذه المقاومة.
ورأت قوى 14 آذار أن ضمان الاستقلال يتم عبر ظروف عربية خارجة عن اصطفافات الحرب الباردة الفكرية والسياسية، وذلك عبر تسلّم المبادرة في تحديد المصير في العالم العربي بمجابهة إسرائيل وإيران المتواطئتين في مواجهة العرب والمتخاصمتين في تقسيم مناطق النفوذ بينهما. ودعت الوثيقة إلى تشجيع التحول العربي البعيد عن «الديماغوجيا السابقة» الذي صدر في إعلان الرياض، والذي يدعو إلى الانفتاح على الثقافات الأخرى واعتماد خيار السلام. وتطالب الوثيقة بشكل حاسم بنسيان الماضي في ما يتعلق بالعلاقة مع سوريا، وتطبيع العلاقات معها، والقيام بتسوية تاريخية تكون محور تجديد في العالم العربي. كما رأت أنه يجب تخطّي الماضي الأليم بين اللبنانيين والفلسطينيين على القاعدة التي اعتمدتها منظمة التحرير الفلسطينية في «إعلان فلسطين في لبنان»، ورفض التوطين والتهجير، مع التمسك بحق العودة ووضع السلاح الفلسطيني تحت رعاية الشرعية اللبنانية.
وتساءل معدّو الوثيقة عن سبب تعرّض لبنان لأزمة منذ 3 سنوات: أهي المشاركة في الحكم أو إقرار قانون انتخابي جديد أو تحسين حالة الكهرباء؟ لتخلص الوثيقة إلى اعتبار أن المقصود من الاغتيالات واستدراج إسرائيل إلى الحرب واحتلال وسط بيروت وقتل اليونيفيل والانتفاض على الحكومة هو إعادة لبنان إلى الحظيرة السورية، وجعله رأس حربة لإيران على المتوسّط. وختمت الوثيقة بمد يد الأكثرية إلى الجميع لتخطّي الخلافات، ومشاركتهم في تحديد مصير اللبنانيين المشترك.
ورش عمل
وعرض عضو التجدد الديموقراطي، الدكتور أنطوان حداد، لآلية العمل المطلوبة لتنفيذ الوثيقة في الأسابيع المقبلة، الذي سيتم عبر ورش عمل سياسية متخصصة موجهة إلى الجمهور (وقد وُزّعت أثناء الاحتفال استمارات مشاركة على جميع الحاضرين) وأخرى داخلية لقوى 14 آذار، إضافة إلى مؤتمرين، أحدهما للاغتراب اللبناني والآخر للقوى والمنظمات الطلابية والشبابية في 14 آذار. وأعلن حداد أن نتائج الورش والمؤتمرات ستنتج وثيقة سياسية في بداية فصل الصيف، تليها مجموعة إجراءات بنيوية تحوّل 14 آذار إلى جسم تشاركي. ورأى أن قوى 14 آذار عادت إلى موقع المبادرة بعد فترة المراوحة الأخيرة التي انتهت يوم 14 شباط 2008.
وكانت كلمة للقوى الشبابية والطلابية في 14 آذار ألقاها الأمين العام لمنظمة الشباب التقدمي، ريان الأشقر، وكلمة لإيدي أبي اللمع، تحدث فيها عن مؤتمر الاغتراب، ليختم ميشال مكتّف الاحتفال بالدعوة إلى دعم قوى 14 آذار عبر المشاركة الكثيفة في ورش العمل.


تصفيق حار
وصل رئيس التيار الشيعي الحر محمد الحاج حسن مع مرافقيه الذين يلبسون سترات عليها اسم حزبهم للتعريف عنهم، سيراً على الأقدام.
وجلس وحيداً بين الجمهور قبل أن يتم تدارك الوضع وإجلاسه مع وجهاء الصف الأول في المنطقة المخصصة للقيادات السياسية. وحاول نائب القوات اللبنانية جورج عدوان التواضع والجلوس بين الجماهير التي صفّقت له طويلاً، ولكن المنظمين أصروا على جلوسه في الصف الأول بين زملائه.
وقد تنافس مناصرو كل من النائبة نائلة معوض، الرئيس أمين الجميّل والنائب وليد جنبلاط على التصفيق لدى دخول هؤلاء، لتهزمهم القائمة بالأعمال الأميركية ميشال سيسون بنيلها التصفيق الأكثر حماسة، والذي دام المدة
الأطول.