خالد صاغيةتعاني حركة 14 آذار من تشوّهات الولادة. فهي لا تستطيع الاستمرار، ما لم تحتكر الوطنية. لا يمكنها أن تعيش بصفتها حزباً أو حركةً تمتلك وجهة نظر. إنّها لبنان. فهي، كما يصفها أنصارها، «ثورة». والثورة لا تشارك أحداً. إمّا أن تحكم، وإمّا أن تفشل. وقد أكّدت شعارات 14 آذار السابقة هذه المسألة. فشدّدت على لبنان، بصفته لبنان 14 آذار. وتحدّثت عن الوطنيّة باعتبارها وطنيّة أقطابها. أمّا الآخرون، فأتباع (للمحور السوري الإيراني)، أو غير لبنانيّين (عمّال سوريّون أو مجنّسون حديثاً)، أو مضلّلون يتصرّفون بغير ما تمليه عليهم مصلحتهم الموضوعيّة (أنصار التيار الوطني الحر)، أو انتهازيّون (الجنرال ميشال عون نفسه)، أو مغلوب على أمرهم (الرئيس نبيه برّي).
لكن، بعد تفاقم الأزمة السياسية، وفشل ادّعاء هذه الحركة تمثيل أكثر من نصف الشعب اللبناني، كان الأجدى التحلّي ببعض التواضع وابتكار لغة تخاطب مع «الأقليّة» التي تمثّل النصف الآخر من الشعب.
رفعت الحركة شعار «معاً»، ودعت إلى مؤتمر في ذكرى انطلاقها الثالثة. وأصرّت على توجيه دعوات إلى شخصيات من خارج صفوفها، تأكيداً على أنّ المؤتمر هو لبلورة رؤية جامعة لكلّ اللبنانيّين. هذه الرؤية تمخّضت عن خلاصة خطيرة. فالانقسام، وفقاً لورقة العمل المقدّمة إلى المؤتمر، «ليس من طبيعة طائفية... كذلك ليس الانقسام سياسياً... إنّ أعمق ما في هذا الخلاف هو البعد الثقافي، حيث تتواجه نظرتان مختلفتان إلى العالم»!
إذا كان المجتمعون مؤمنين حقاً بهذا الكلام، يتساءل المرء عن جدوى كلّ الكلام السياسي الذي ورد لاحقاً في ورقة العمل، إلا إذا كان المقصود منه بناء دولة لجزء من اللبنانيّين.
لكن، مهلاً. نعود هنا إلى «الخطيئة الأصلية» لـ14 آذار. الجزء الآخر من اللبنانيين غير موجود. فوفقاً لفيلم عُرض خلال المؤتمر، شارك «البعض» في تظاهرة 8 آذار (لا في تظاهرة 14 آذار). أمّا «الكلّ» فقد نزلوا إلى الساحات في 14 آذار 2005. كيف ينزل «الكل» إلى تظاهرة لم يشارك فيها «البعض»؟ حين تتمكّن حركة 14 آذار من الإجابة عن هذا السؤال، تستطيع أن تدعو إلى بناء الدولة.