إبراهيم الأمينيوماً بعد يوم، يتورّط فريق السلطة في المشروع الأميركي القائم في المنطقة. ومثل كل القوى الغبية والمبالغة، وجد هؤلاء أن تاريح لبنان بدأ مع انطلاقة حركتهم، وهم الذين يزوّرون يومياً وجوههم وكلامهم ووقائعهم، ولا يفترضون وجود من يحاسبهم على كلامهم المكتوب بلغة وعقل من لم يشارك في أي من نشاطات الحركة الاحتجاجية الكبرى التي قامت إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
لكن ذلك لا يمنع الاستنتاج أن الخيط الواصل بين وثيقة البيال وزيارة جعجع إلى واشنطن وسلوك الرئيس السنيورة في الاتصالات العربية والدولية، وما يطرحه وزير خارجيته محمد شطح يميناًَ ويساراً، كل ذلك يصب في إطار التعبئة الشاملة استعداداً لمواجهة مفترضة في وقت ليس ببعيد. وهو الأمر الذي يوجب على المعارضة التعامل معه بواقعية وحذر، وخصوصاً أن المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي لا يخفي حاجته (قبل رغبته) إلى فتنة ذات بعد طائفي ومذهبي في لبنان، على قاعدة أن في ذلك ما ينهك المقاومة والمعارضة، وما يفتح الباب أمام خطوات أكثر وضوحاً ودينامية في مشروع بث القلاقل داخل سوريا نفسها. كما يتيح إعلان الفصل التام بين القوى الفلسطينية، وسحب ما أمكن من قوى المخيمات إلى جانبهم.
وإذا كانت معضلة هذا الفريق تكمن في الحاجة إلى دعم خارجي مباشر، فإن ذلك لا يمنعهم من مواصلة الاستعدادات الداخلية، كذلك مواصلة المساعي لاستدراج الجيش إلى موقع وسط، فإما أن يكون إلى جانبهم أو لا يكون إلى جانب أحد. وتبيّن لمتابعين أن الجهد الخاص بالمؤسسة العسكرية تضاعف بقوة خلال الفترة الأخيرة، بعدما تبيّن أن العماد ميشال سليمان لم يذهب بعيداً في علاقته مع فريق الأكثرية الداخلي والخارجي، كذلك بعدما تبيّن أن ليس بمقدوره أخذ الجيش إلى موقع معيّن لو رغب ذلك، عدا أنه استنتج بعد ما مر من شهور على إقحامه من جانب نفسه لا من جانب الآخرين في لعبة السجالات، أن هناك من يريد التلاعب به أكثر مما يريد له أن يلعب الدور الرئيسي المفترض تركه لرئيس توافقي.
ولكن كيف على المعارضة التصرف؟
في رأي مرجعية عربية داعمة للمعارضة ومعنية مباشرة بكل ما يجري من اتصالات محلية وعربية ودولية في شأن الأزمة اللبنانية، يحتاج الأمر إلى مراجعة واقعية للمرحلة الماضية، قبل الانتقال إلى البحث في سبل إنتاج استراتيجية تقوم على قاعدة الضغط باتجاه تسوية سريعة وقابلة للحياة مع فريق السلطة. وتنطلق هذه المرجعية من أن التطورات تتجه في المنطقة صوب الحسم، وبالتالي فإن الأميركيين والإسرائيليين يريدون إدخال العالم العربي في موجة من الفوضى تأتي على كل قدرة للمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، وإن المتطرفين من كل الدول يسعون إلى استغلال ما بقي من ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش لفرض هذه المتغيّرات، ويستفيدون من جنوح الإدارة الأميركية نحو التهوّر، لذا فالقوى التي تقف خلف المقاومة من جهة، وخلف زيادة الهامش اللبناني الخاص من جهة أخرى، معنيّة الآن بأمرين:
الأول ـ ترحيل المشكلة الإقليمية الراهنة إلى مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، حين يصار إلى إحداث تغييرات من النوع الذي يهز كل الكيانات السياسية التي أنتجها المحافظون في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير.
الثاني ـ فرض تسويات وهدوء من النوع الذي يقلّص حجم دوائر التوتر الطائفي والديني والمذهبي في البلاد العربية، بما يفقد القوى الحليفة للولايات المتحدة وقوداً تنوي إحراقه، ويعيد الاعتبار إلى الملفات الأساسية المتعلقة بنتائج الاحتلال الأميركي للعراق واستمرار جرائم إسرائيل في لبنان وفلسطين.
لذلك، ولأسباب أخرى، تفترض هذه المرجعية أن على العقل اللبناني القيّم على ملف المعارضة التوصل سريعاً إلى بلورة رؤية واستراتيجيا تؤديان إلى تسوية لا إلى مواجهة شاملة، حتى إذا حصلت المواجهة يكون الرأي العام، رغم التضليل والتجييش، مدركاً أن هناك فريقاً من خارج المعارضة يرفض التسوية والحل. وفي رأي هذه المرجعية فإنّ الأمر ممكن على الشكل الآتي:
1ـ ضرورة إيجاد إطار تنسيقي أكثر تماسكاً وفاعلية بين قوى المعارضة، بحيث تبدو أكثر ترابطاً وتفاعلاً في مناقشة القضايا العالقة، وعدم ترك الأمر محصوراً بين حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة «أمل»، وأن يجري التعامل بواقعية مع الشريك السني في هذه المعارضة، فضلاً عن تفعيل حضور الأحزاب بغضّ النظر عن فاعليتها بمعناها الكمّي.
2ـ ضرورة وضع خطة هجومية، لكن مع وجود بديل جاهز، وعدم التصرف مثل فريق السلطة التي تريد استفزاز الآخرين من خلال مواقف متصلبة. وإذا كانت المعارضة تريد تسوية فعليها هي أن تبذل جهداً إضافياً لإشعار الرأي العام، سواء الذي يدعمها أو الذي يرفضها، بأنها راغبة فعلاً في التسوية، ومستعدة للتنازل حيث يمكن تحقيق هذه التسوية.
3ـ التعامل بجدية مع التواصل الخارجي مع الدول والعواصم المعنية، واعتبار أن قوى السلطة تتمتع بأفضلية وجود دعم لها من عواصم القرار العالمية ومؤسسات المجتمع الدولي الرسمية، وأن تلجأ المعارضة في أسرع وقت ممكن إلى تكوين خلية دبلوماسية ـ سياسية تكون مهمتها الحضور في كل الأندية الدبلوماسية العربية والدولية، وأن تضع برنامج عمل لا يتوقف ولا لحظة لشرح ما يحصل. وتلفت هذه المرجعية إلى أهمية هذا الشأن وأن نتائج الاتصالات التي جرت أخيراً في الأوساط العربية دلّت على وجود تفهم من دول كثيرة لموقف فريق السلطة لمجرد أنهم لا يعرفون آلية إنتاج الحل في لبنان.
4ـ إعداد تفاهمات واضحة تلغي كل تباين حاصل الآن، وتمنع أي تفاوت في التقدير أو في المبادرة من هذه الجهة أو تلك. وذلك من خلال القول بأن هناك إمكاناً للتوصل إلى تفاهم على البند الحكومي وفق هذه الصيغة أو تلك، ووضع استراتيجيا للتعامل مع بند قانون الانتخاب إذا تذرّع فريق السلطة بعدم واقعية قانون عام 1960، إضافةً إلى العمل بقوة على بناء علاقة وثيقة وواضحة مع المرشح الرئاسي العماد سليمان، بما أنه ليس هناك من بديل ممكن الآن لدى المعارضة.