الليلة ليلة ديتليف ميليس على «ال بي سي»، إذ سيطلّ المحقّق الألماني في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري على الشاشة ليتحدّث عن تحقيق جنائي لم ينتهِ بعد. ومع هذا السبق الإعلامي، هل تصمد صدقيّة التحقيق؟عمر نشابة
أعلنت المؤسسة اللبنانية للإرسال (ال بي سي) أن القاضي الألماني ديتليف ميليس، الذي شغل منصب رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لمدّة ستة أشهر، سيكون ضيف الزميلة مي شدياق ضمن برنامج «بكلّ جرأة» هذه الليلة. هل يستبق ميليس خلال حديثه الليلة نتائج التحقيق كما فعل سابقاً؟، وبالتالي هل يتحوّل كلامه عن التحقيق إلى اتهام سياسي بما أن وظيفته كمحقّق لا تسمح له بتوجيه الاتهامات القضائية (هذه وظيفة المدعي العام الدولي)؟. واللافت هنا أن الدعاية التلفزيونية الترويجية عبر الـ«ال بي سي» لحلقة الليلة تذكر أنها ستتناول «اتهامات ميليس» وهذا بحدّ ذاته من شأنه إضعاف صدقية التحقيق الدولي. وكان ميليس قد أدلى بتصريح في 17 كانون الأول 2005 لجريدة «الشرق الأوسط» أعرب فيه عن ثقته بأن «سوريا وراء اغتيال الحريري» وهو اتهام سياسي محض لأن التحقيق ما زال مستمرّاً.
إن أي استباق لنتائج التحقيق النهائية عبر توجيه إصبع الاتهام إلى سوريا أو أميركا أو إيران أو أي جهة أخرى (رغم عدم صلاحية المحقق أو حتى المحكمة لمقاضاة دول أو أنظمة بل أشخاص) ينسف قرينة البراءة التي تمثّل ركيزة دستورية وقانونية في لبنان والعالم، وبناءً على ذلك، نسأل: هل تتحوّل مقابلة ميليس التلفزيونية هذه الليلة إلى هجوم سياسي على «سفّاح دمشق» وحلفائه اللبنانيين، قبل انتهاء التحقيق الدولي وقبل انعقاد المحكمة؟ ألا ينزع الاتهام السياسي الصدقية القضائية عن التحقيق والمحكمة عبر منح القتلة الحقيقيين فرصة للدفاع السياسي رداً على اتهامات سياسية بدل حصر الدفاع بالردّ على اتهامات مبنية حصرياً على أدلّة جنائية؟.
بناءً على قراءة تصريحات أدلى بها ميليس مؤخراً في وسائل إعلام أوروبية، نسأل هل يوجّه المحقق الألماني جملة من الانتقادات إلى خلفه القاضي البلجيكي الدكتور سيرج براميرتس الذي تميّز عمله خلال سنتين من التحقيقات (ضعفي مدة تحقيق ميليس) بالدقة والاحتراف واحترام المعايير الدولية؟ ففي عدد الجمعة 15 شباط ٢٠٠٨ قال ميليس لصحيفة «فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ» إنه «يجب على من يُكلّف قضية هامة كهذه أن لا يضيع في التفاصيل. تلاحظون ــــ مع الأسف ــــ أن التقارير اللاحقة لم تقدم أي معطيات جديدة تستحق الذكر».
أمّا في ما يخصّ صدقية عمل ميليس كرئيس للجنة التحقيق الدولية، فهل سيعترف بالخطأ الفادح الذي ارتكبه خلال ستة أشهر من التحقيقات نشر خلالها أسماء شهود في تقاريره دون وجود برنامج لحماية الشهود؟. أليست مهمة حماية الشهود الذين يدلون بتصريحاتهم إلى لجنة التحقيق كالنائب والزميل جبران تويني من مسؤولية ميليس؟
وبشأن اعتقال أشخاص مشتبه بهم بناءً على توصية ميليس، كيف سيكون موقفه من تقرير فريق العمل المعنيّ بالاعتقال التعسفي في المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان؟. يُذكر أن التقرير رقم 37/2007 ذكر في 30 تشرين الثاني 2007 أن «حجز حرية جميل السيد ومصطفى حمدان وريمون عازار وعلي الحاج وأيمن طربيه ومصطفى مستو وأحمد عبد العال ومحمود عبد العال تعسفي لتعارضه مع العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يعد لبنان طرفاً فيه».
كان من المفترض أن تستضيف الزميلة شدياق ميليس ليل الثلاثاء ٢٠ كانون الأول ٢٠٠٦ لكن الحلقة ألغيت. ويرجّح أن إلغاءها جاء بسبب تراجع ميليس، بعدما طلبت الأمم المتحدة منه ذلك. وكان هذا بسبب إصرار براميرتس على عدم السماح لأي موظف بإثارة مواضيع تخصّ تفاصيل التحقيق قبل انتهائه. وفي 18 كانون الأول 2006 قال «إن عملية استجواب الشهود في مناخ متقلب سياسياً تتطلب حساسية مفرطة، كذلك، فإن اللجنة لا يمكنها القيام بعملها إلا في جوّ من السرية لخلق مناخ آمن للشهود والموظفين».
عازوري يراسل بان
من جهته، وجّه وكيل اللواء الركن جميل السيّد المحامي أكرم عازوري كتابين إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وإلى رئيس لجنة التحقيق الدولية دانيال بلمار، اعترض فيهما على ظهور ميليس في برنامج «بكل جرأة» يوم الثلاثاء في 18/3/2008. واعترض عازوري على الظهور الإعلامي المرتقب لميليس لأن التوقيت ينبئ بالمضمون، فهو يأتي عشية تقديم الرئيس الحالي للجنة تقريره الأول إلى مجلس الأمن «فلا يُفهم هذا الظهور في مبدئه وتوقيته إلّا كمحاولة ضغط على بلمار للتأثير على مضمون تقريره أو تحسّباً لما قد يتضمنه هذا التقرير بعد أن يصبح علنياً». ورأى عازوري أنه لو كانت نية ميليس مساعدة التحقيق فعلاً «لكان قد توجّه بكل سرية إلى بلمار وفقاً للأصول وليس للجمهور اللبناني عبر الـLBC». وختم عازوري قائلاً «إنه إذا لم تتمكن الأمم المتحدة من منع ميليس من الظهور الإعلامي حفاظاً على صدقية التحقيق التي استعادها براميرتس خلال سنتين من العمل الدؤوب، فعلى محطة الـLBC أن تفسح له المجال في الرد على ميليس عند الاقتضاء مباشرة خلال بثّ البرنامج مراعاةً للشفافية وللوجاهية».