strong>راجانا حميّةقبل ثلاثة أسابيع، كان شادي الدنف لا يزال يحلم بالقلب الذي قد ينقذه، واليوم بعد هذه الأسابيع يحمل شادي، ابن الخمسة والثلاثين عاماً، قلباً جديداً، يختزن أحلامه الجديدة وأحلاماً أخرى عابرة لامرأة رحلت، تاركةً قلبها «أمانة» في صدره.
أمس، كان شادي على موعد مع الحياة والناس، بعد الأيّام التي قضاها في سريره من دون حراك ينتظر قلبه الجديد. كان كغيره من الحاضرين، أو هكذا يظنّ هو، لكن من كانوا هناك، وجدوا فيه شخصاً آخر يحمل في داخله المرأة التي أعطته قلبها، وذكريات زوجها الذي زاره عقب يومين من العمليّة ليهديه وردة لـ«أطيب قلب». جلس صامتاً في الصفّ الأمامي ينظر إلى لقطات العمليّة التي أجريت له قبل ثلاثة أسابيع، وفي يده آلة التخطيط التي لم تفارقه منذ ذلك الوقت، لم ينبس ببنت شفة باستثناء ابتسامة شاحبة ترتسم على وجهه الضعيف في كلّ مرّة يذكر فيها طبيبه جورج تادي اسمه. بقي صامتاً إلى اللحظة الأخيرة التي حمل فيها عدّته وغادر القاعة إلى غرفته التي لم يفارقها منذ عمليّته في الثالث من شباط الماضي، فيما شُغل الآخرون من أطبّاء وحضور في معالجة موضوع «وهب الأعضاء وزرع القلب»...ما له وما عليه في لبنان، وخصوصاً أنّه لا يزال موضوعاً «مرفوضاً» من البعض لأسباب كثيرة، لعلّ أهمّها الجانب الديني ورفض العائلة استئصال أعضاء المتوفّى قبل أن يموت كلّياً. لذلك حرص الأطبّاء واللجنة الوطنيّة لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة على أن تكون جلسة الأمس التي عقدوها في مستشفى المشرق (المؤسّسة الطبّية) التي جرت فيها عمليّة زرع القلب لشادي الدنف، بمثابة الدعوة إلى تقبّل فكرة وهب الأعضاء. في البداية، عرضت منسّقة اللجنة الوطنيّة فريدة يونان واقع ومستقبل ومهمات اللجنة الطبّية والاجتماعية، التي تتفرّع عنها الدورات التدريبيّة لمنسّقي الوهب وإعداد لائحة الانتظار في المناطق اللبنانيّة كافّة. وأسفت يونان أن تكون غالبيّة العائلات لا تتقبّل فكرة وهب الأعضاء أو بالأحرى «وهب الحياة لأشخاص آخرين، وخصوصاً أنّ الشخص الواحد يستطيع إعادة الحياة إلى ثمانية آخرين»، لافتة إلى أنّ إحصاءات أيّار عام 2006 تشير إلى أنّ «53% من الناس مع الوهب، فيما الـ46 الباقون ضدّه لأسباب دينيّة وعاطفيّة». وتطرّقت يونان إلى كل التفاصيل التي تتعلّق بهويّة الواهب والمتلقّي، منبهةً في الوقت نفسه «عائلة الواهب إلى ضرورة التزام الوقت، وخصوصاً أنّ التأخير يسهم في غالبيّة الأحيان في تلف الأعضاء». وعرضت أيضاً آلية قرار وزارة الصحّة التي تتطلّب تشخيص الوفاة (الموت الدماغي) من جانب طبيبين اختصاصيين وطبيب شرعي وإلزاميّة إعلان اللجنة الوفاة، إضافةً إلى الأخذ في الاعتبار موافقة عائلة الواهب. أمّا الرئيسة المؤسّسة للجنة وهب الأعضاء في جمعيّة أندية الليونز فريال حدّاد، فقد استعرضت الدور الذي تقوم به الجمعيات في دعم ثقافة وهب الأعضاء، إن كان من خلال النشاطات التوعويّة التي تقوم بها في الأندية والجامعات والمدارس أو من خلال المنشورات التي توزّعها على المناطق بالتعاون مع قيادة الجيش. بدوره، تحدّث اختصاصي أمراض الجهاز العصبي الدكتور مارون أبو ناضر عن «الموت الدماغي» وكيفيّة اتّخاذ قرار بإثبات الوفاة بعد إجراء الفحوص المرافقة، وخصوصاً تخطيط الرأس. أمّا نائب رئيس اللجنة الوطنيّة الدكتور أنطوان اسطفان، فقد عرض شروط الواهب والمتلقّي. فيما حاضر اختصاصي جراحة وزرع القلب الدكتور جورج تادي عن تاريخ زرع القلب في لبنان، وإذا كان تادي لا يزال يعيش نشوة «الوقت المقدّس» الذي منح شادي قلباً، إلّا أنّه يأسف أن تكون هذه العمليّة هي الوحيدة منذ سنتين، في الوقت الذي تعجّ فيه لائحة غرفة العمليّات بقلوب تنتظر إسعافها، وقد لا تجد من ينقذها إذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه في لبنان من رفض وخوف.