طرابلس ـ عبد الكافي الصمدأثار الكلام الذي أطلقه الرئيس عمر كرامي خلال المأدبة التكريمية على شرف مفتي طرابلس والشّمال الشيخ مالك الشعّار نهاية الأسبوع الماضي، ودعا فيه إلى رفع دار الفتوى في بيروت «وصايتها» عن دار الإفتاء في طرابلس والشّمال، جدلاً سياسياً ودينياً تجاوز الإطار الدّيني لموقع الدّارين، وتداخلت فيه عوامل سياسية لم تكن في الأصل غائبة عن الموضوع.
ورغم أنّ أوساطاً سياسية مراقبة في صفوف الموالاة أبدت استغرابها لموقف كرامي ورأته «غير واقعي وينطلق من اعتبارات شخصية»، فقد أشارت إلى أنّ هذا الموقف كان صدمة للمفتي الشعّار وأعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى وغيرهم، الذين كانوا حاضرين المأدبة، وأنّ المواقف التوضيحية اللاحقة للشعّار وغيره قد «وضعت بعض النقاط على بعض الحروفإلا أنّ شخصيات دينية رأت أنّ كرامي، عندما أعلن رفضه «الاستمرار تحت الوصاية والمركزية الإدارية الشديدة لدار الفتوى إلى أبد الآبدين»، وأشار إلى أنّه «لسنا قاصرين، ونحن أعلم من غيرنا بمشاكلنا وكيفية معالجتها»، وخصوصاً في ما يتعلق بإدارة شؤون الأوقاف، فإنّه «لم يكن يقصد فقط منع تدخّل دار الفتوى في بيروت والمفتي محمد رشيد قبّاني تحديداً بعمل دار الإفتاء في طرابلس، وأنْ يكون للأخيرة استقلالية معينة، ومساحة واسعة من حرية الحركة مستقبلاً، بل حاول وضع ما يشبه «الخطوط الحمراء» التي من شأنها أن تجعل قبّاني يجري حسابات قبل ممارسته صلاحياته وسلطته في الشّمال، وأخذه في الاعتبار ما طرأ من تطورات على الميدان الديني في عاصمة الشمال».
ولفتت الشخصيات إلى أنّ الشعّار بدوره سيطلب من قبّاني وغيره من القوى عدم إحراجه لاحقاً في أيّ قضية من شأنّها إدخاله في سجال مع أحد في الشّمال، ما يعني أنّ «خصوصية» شمالية قد برزت، وبات على قبّاني ودار الفتوى وغيرهما «التعامل معها بشكل يختلف عن باقي المناطق اللبنانية، وهو أمر لن يكون مريحاً لقبّاني بطبيعة الحال، إلا أنّه سيضطر تحت وطأة الضغوط إلى القبول به».
وأكّدت الشخصيات الدينية أنّ توضيح الشعّار «لم يكن ردّاً على كرامي» بقدر ما كان للقول إن كرامي يطالب بما هو حاصل، على رغم اعتباره تصريح كرامي «مفجعاً».
وفي حين سأل النائب مصباح الأحدب كرامي: «ألا تعلمون أنّ ما تخطط له بعض الجهات، وأنتم تعرفون من هي، هو تقسيم الطوائف بغية التوصّل إلى إفراغ المؤسسات وهدم الدولة؟»، وقول النائب السابق عمر مسيكة أنّ كلام كرامي «يصبّ في أتون الخلافات السياسية»، أضاء أحد المعارضين على جانب آخر من المشكلة، عندما أشار إلى أنّ «تعامل دار الفتوى مع أوقاف طرابلس بالشكل والمضمون، هو تعطيل لمجلس إدارة الأوقاف، الذي من المفترض أن يكون منتخباً بحسب القانون، لكنّه في الوقت الحاضر يأتي بالتعيين من جانب المفتي قبّاني، الذي يرفض انتخاب مجلس يعبّر عن نسيج المدينة وأهلها».
وقال إنّ «أيّ أمر له علاقة بالمصاريف، أو يدخل في تنمية الأوقاف، لا يمرّ إلا من خلال مركزية دار الفتوى في بيروت»، لافتاً إلى أنّ «كلّ هذه الأمور أثارها أعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الطرابلسيون مع المفتي قبّاني، إلا أنّه كان يرفض حتى الحديث في الموضوع، لذلك فإنّ الهروب إلى التسييس حيلة غير موفّقة».
وسأل: «ما دخل أوقاف طرابلس في المحكمة الدولية؟»، مشيراً إلى أنّ هذا الكلام «يذكّرنا بالشعارات التي كانت ترفعها بعض الأنظمة العربية وترتكب باسمها الموبقات تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، فإذا بهم اليوم يرتكبون التجاوزات تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المحكمة».
وختم: «أمّا انحياز مفتي الجمهورية إلى طرف سياسي دون سواه، فالأمر لا يحتاج إلى إثبات، فنحن المعارضين لهذه السلطة لا نجد مفتياً نعود إليه كمرجع للمسلمين جميعاً».