من القرار بالتدخّل السوري ضمن قوّات الردع إلى الخلاف على الدور السياسيعفيف دياباحتلّ لبنان حيّزاً مهمّاً في القمم العربية كلها، منذ عام 1945 وحتى القمة الأخيرة في الرياض. وهو سيمثِّل محوراً أساسياً في قمة دمشق المقبلة، لما لأزمته الحالية من تشعّبات عربية ودولية، تنعكس سلباً على مجمل الأوضاع فيه
لم يكن لبنان يوماً خارج إطار الاهتمام العربي منذ ولادة جامعة الدول العربية في عام 1945. فهذا البلد الصغير المنقسم على نفسه، وما بين الغرب والشرق وصراعاتهما، والعرب وخلافاتهم القديمة ـ الجديدة، تحوّل إلى بند أساسي في مختلف «قمم العرب»، وخاصة ما بعد عام 1975 حين صدرت الكثير من القرارات والمواقف التي تؤكد دعم لبنان وسيادته واستقلاله وحمايته وصون مؤسساته الدستورية.
الفشل العربي التاريخي في حل أي قضية عربية أو خلاف عربي ـ عربي، كانت أبرز تجلياته تلك المتعلقة بلبنان إثر اندلاع الحرب الأهلية عام 1975. في تشرين الأول من العام نفسه، وبدعوة من السعودية، عقدت في الرياض قمة عربية حضرتها ستّ دول، وكانت من أبرز القمم العربية التي تناولت الشأن اللبناني وحربه الأهلية التي امتدت لأكثر من 15 عاماً. فالقمة المذكورة وضعت خريطة طريق لوقف الاقتتال في لبنان، لم تسلك طريقها إلى التنفيذ إلا من خلال تأليف قوات ردع عربية، عمادها القوات السورية. القمة التالية انعقدت في القاهرة يومي 25 و26 أيلول 1976، حيث تم التصديق بالإجماع على قرارات قمة الرياض، باستثناء العراق، الذي برر رفضه التوقيع بالوجود العسكري السوري في لبنان.
في قمة بغداد عام 1978، لم يخلُ البيان الختامي من التشديد على وحدة لبنان وسلامة أراضيه ووقف الاقتتال. وتكررت «اللازمة» في بيان قمة تونس عام 1979 الذي أدان بشدة الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، وأكد مجدداً قرارات قمّتي الرياض والقاهرة في شأن الأزمة اللبنانية، داعياً إلى الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على جنوب لبنان! أما في قمّة عمان 1980، التي شاركت فيها 15 دولة عربية، فقد شُدِّد أيضاً على «وحدة وسلامة أراضي لبنان»، ودعم العراق في حربه ضد إيران، فيما لم يكن لبنان موضع اهتمام في قمّة فاس 1981، إذ انصبّ البحث على مشروع الملك السعودي آنذاك فهد بن عبد العزيز للسلام مع إسرائيل، الذي رفضته سوريا ودول جبهة الرفض. أما في قمّة فاس الثانية (1982) التي اعترف العرب فيها بإسرائيل، فادان بيانها الختامي العدوان الإسرائيلي على الشعبين اللبناني والفلسطيني، متجاهلاً الاجتياح الإسرائيلي واحتلال بيروت.
الاهتمام العربي بلبنان تقدّم خطوة بعدما شهد تراجعاً إلى أسفل قائمة اهتمامات القمم، من خلال تقدم «الأوضاع الأمنية المتدهورة» إلى الواجهة في قمة الدار البيضاء 1985، حيث بحث بعمق حصار حركة أمل للمخيمات الفلسطينية، فيما لم يستحق لبنان أكثر من بند يشدد على وحدته ووحدة مؤسساته ووقف الاقتتال في قمة عمان 1987، وكذا الحال في قمة الجزائر 1988، إلى أن ألَّف العرب في قمة الدار البيضاء عام 1989 لجنة لحل الأزمة اللبنانية، رغم غياب ممثل لبنان عن القمة بسبب صراعاته الداخلية على السلطة. أنتجت هذه اللجنة اتفاق الطائف الذي أوقف الاقتتال العسكري، وأوكل إلى سوريا رعايته حتى خروج جيشها من لبنان ربيع عام 2005. أما في قمة بغداد 1990 التي قاطعها لبنان انسجاماً مع الموقف السوري، فقد طالب العرب بإنشاء صندوق دولي لإعادة إعمار لبنان لم يبصر النور نهائياً.
بعد قمة بغداد، لم يعد لبنان موضع اهتمام العرب. ففي مؤتمرات القمة التي عقدت لاحقاً في القاهرة أعوام 1990 و1996 و2000، تحوّل إلى جملة معهودة في البيانات الختامية تؤكّد وحدته وسلامة أراضيه ودعمه في مواجهة إسرائيل، فيما رفعت قمّة عمان 2001 شأنه قليلاً في بيانها الختامي، وأكدت التضامن التام مع لبنان وسوريا ورفض التهديدات الإسرائيلية التي تصاعدت ضد «البلدين الشقيقين».
تراجع الاهتمام العربي بلبنان، وجده الأخير فرصة لاستضافته قمة ترفع من مكانته السياسية. فعقدت قمة بيروت 2002 التي خلصت إلى «دعم لبنان في استعادة الأجزاء الباقية من أراضيه بالإضافة إلى الدعم المالي لإعادة إعمار الجنوب اللبناني الذي تهدم بسبب العدوان الإسرائيلي».
أما في مؤتمري القمة في القاهرة (2003) وتونس (2004)، فإنّ لبنان لم يكن محطّ اهتمام يذكر، إلا في قمة الجزائر (2005) التي تناولت اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان الذي انقسم على نفسه في قمّة الخرطوم سنة 2006، فتمثل برئيس الجمهورية العماد إميل لحود ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة في تجسيد صارخ للخلافات المحلية، إذ كان التلاسن اللبناني ـ اللبناني مخيماً على القمة التي أكدت في بيانها الختامي التضامن مع لبنان وحرص العرب على دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني وحقه السيادي في ممارسة خياراته السياسية ضمن الأصول والمؤسسات الدستورية مع الأخذ في الاعتبار حقه في إقامة علاقات مع الدول الشقيقة والصديقة على أساس الاحترام المتبادل والمساواة. وأكدوا دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني. ورأوا أن كشف حقيقة اغتيال الرئيس رفيق الحريري يُسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار في لبنان. أما في قمة الرياض (2007)، فإن مشهد لبنان لم يكن أفضل حالاً من مشهده في قمة الخرطوم، فكانت خلافاته مهيمنة على أعمال القمة حيث كان وفدا لحود والسنيورة في مقدمة اهتمامات القمة التي خرجت، وبعد تحيتها للمقاومة، بتأكيد تضامن العرب مع لبنان وتوفير الدعم السياسي له بما يحفظ الوحدة الوطنية وسيادته على كامل أراضيه.


بيانات إنشائيّة
لم يرَ لبنان من قرارات وبيانات قمم العرب سوى المزيد من الانقسام وتشرذم مؤسساته وتناحر قبائله. فالقرارات المتعلقة به هي مجرد قرارات إنشائية لا قيمة تذكر لها. إذ تُظهر قراءة متأنية لبيانات قمم العرب الختامية «الصياغة العربية الجميلة وتدوير الزوايا وتجنّب الدخول في صلب الموضوع اللبناني خشية تصاعد خلافات العرب وقوى الصراع المحلي»، على حد وصف أحد أساتذة العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الذي يرى في طرح مشكلة لبنان في مؤتمر القمة العربية المقبلة في دمشق «صورة لا تختلف عن طرح مشاكله وأزماته في القمم السابقة». ويقول إن قرارات مؤتمرات القمة العربية بشأن لبنان «لم تعط نتائج إيجابية ولو لمرة واحدة، بل كانت تزيد الأمور تعقيداً جراء الخلافات العربية».