نيويورك ـ نزار عبودلم يُستغرب قرار عدم تمديد تعاقد الأمم المتحدة مع «مهندس» محكمة لبنان الدولية الخاصة وكيل الأمين العام نيكولا ميشال إلى أن تبيّن أنه لم يعلن في كشف حسابه العام عن أموال كان يتقاضاها. ما هي قصّة تلك الأموال؟
كثيراً ما تغنّى وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية، نيكولا ميشال، بالنزاهة والحياد والشفافية عند حديثه عن محكمة لبنان الدولية الخاصة. لكن، وبعد أيام قليلة على الإعلان أنه لن يجدد ولايته في آب المقبل، كشفت إحدى الصحف في نيويورك أنه لم يفصح عن «دعم بقيمة عشرة آلاف دولار يتلقّاها شهرياً من الحكومة السويسرية للحصول على سكن لائق» في كبرى المدن الأميركية. وفضّل ميشال الامتناع عن التعليق عندما سئل عن الأسباب التي جعلت مكتب النزاهة التابع للأمم المتحدة يخفي قضية الإعانة السويسرية عن كشف الحساب العام الذي تعيّن عليه تعبئته. وهو كشف يتعيّن على كلّ مسؤول تقديمه بموجب نظام اعتُمد منذ مطلع السنة، منعاً للفساد في المنظمة، بعد الكثير من الفضائح التي حدثت سابقاً.
ميشال يتلقّى مبلغ العشرة آلاف دولار شهرياً لكي يتمكن من أن يقطن في مكان قريب من مقر المنظمة الدولية في وسط مانهاتن (Midtown Manhattan) وتصل تكلفة شقة مناسبة في تلك المنطقة إلى ما يزيد على 20 ألف دولار في الشهر، لكونه يحتاج إلى مسكن كبير لأسرته في محيط الشارع 42 والجادة الأولى حيث يقع مقرّ الأمم المتحدة. غير أن وكيل الأمين العام فضّل الإقامة في حي وست تشستر في إحدى الضواحي الشمالية لمدينة نيويورك، محققاً وفراً بنسبة خمسين في المئة على أقل تقدير. لكن السكن في وست تشستر يفرض عليه تضييع ما بين ساعتين وثلاث ساعات يومياً من وقته على الطريق بين العمل والسكن، وذلك منذ تولّيه منصبه في أيار 2004. يذكر أن أجرة مستشار قانوني دولي بمستوى ميشال لا تقل عن ألف دولار أميركي في الساعة.
وقالت ميشال مونتاس، المتحدثة باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إن ميشال سأل رئيس مكتب النزاهة في المنظمة روبرت بنسون إذا كان هناك داع لأن يفصح عن الإعانة السويسرية. وكان الردَ أن «سياسة الإفصاح لا تشمل تبرعات من هذا النوع». لكن مكتب الأمين العام شرح الأسباب الموجبة للكشف عن حساب المسؤولين بالقول إنه «لإظهار أن موظفي الأمم المتحدة يدركون أهمية طمأنة الجمهور العام والدول الأعضاء في الأمم المتحدة أثناء تولّيهم مناصبهم الرسمية ومسؤولياتهم، إلى أنهم لن يتأثروا بأي اعتبار ذي صلة بمصالح الموظف أو الموظفة».
وجّه أحد الصحافيين في الأمم المتحدة سؤالاً خطياً إلى ميشال: أليس من حق شعوب الدول المساهمة في ميزانية الأمم المتحدة معرفة الأسباب التي تجعلكم تتلقّون هذا الدعم السخي من حكومة برن وأنتم الشخص المسؤول عن إنشاء محكمة لبنان الدولية بالوكالة من الأمين العام؟ فأجاب ميشال: «لا أستطيع الرد عليك، لأنه سيكون هناك تضارب في المصلحة». وهو رد قانوني يرى المحلّلون أنه غالباً ما يستعمل من جانب الأفراد أو المؤسسات الاعتبارية «للتملّص من ردّ قد يرتد عليهم قانوناً».
ماثيو لي، رئيس تحرير صحيفة «إنترسيتي برس» الإلكترونية، قال لـ«الأخبار» إن ميشال أبلغه أن الحكومة السويسرية تعهدت له خطياً بأن تحترم استقلاليته بموجب المادة 100 من ميثاق الأمم المتحدة بصفته موظفاً دولياً، ولا تمارس أي تأثير عليه في مهنته، رغم الدعم الذي تقدمه. وأضاف ماثيو لي إن ميشال لم يكشف عن هذا الترتيب عندما تعيّن عليه الكشف عن حساباته هذا العام. لكنه اكتفى بالإفصاح عن الإيجار الذي يتلقّاه من مسكنه في سويسرا. وكان ميشال قد ورث مسكنه في سويسرا، وهو يؤجّر طابقين منه من أصل ثلاثة. «غير أن دفع دولة عضو لها مصلحة بالأمم المتحدة وبدائرتها القانونية عشرة آلاف دولار، ولا تدرج في جردة كشف الحساب الشخصي أمر مثير للريبة بسلامة النظام»، بحسب ماثيو لي.
ميشال لم يكتف بالامتناع عن التعليق على إخفاء المبلغ من حسابه، بل قال لـ«إنترسيتي برس» إنه غير سعيد من نظام التقاعد في الأمم المتحدة. فهو عندما يغادرها قبل مرور خمسة أعوام على الخدمة، سيسترجع المبلغ نفسه الذي دفعه في مساهمات شهرية، إضافة إلى أقل من الفائدة التي تدفعها المصارف على الودائع. كما أنه لن يتلقّى أياً من المساهمات التي دفعتها الأمم المتحدة لمصلحته. وقال ميشال إنه يخسر نحو 20 ألف دولار سنوياً بسبب نظام التقاعد القائم. وإن الدعم السويسري لسكنه كان شرطاً لقبوله المنصب الدولي. وهنا يطرح بعض المراقبين سؤالاً: لماذا تدفع سويسرا هذا المبلغ إذا لم يكن لها، أو لجهة أخرى تعنيها، مصلحة في مثل هذا المنصب الحساس؟