ثائر غندور«لن نسلّم فريق الأكثريّة السلطة» يقولها بثقة الرئيس عمر كرامي، ويضيف: «لأنّ كلّ ما يريدونه هو رأس المقاومة». من هذا المنطلق يحدد كرامي مواقفه السياسيّة. يجتمع كل ثلاثاء بأعضاء اللقاء الوطني، الذين تُمثّل جمعتهم شبه مجلس وزراء ظل، منهم من يتابع الملف الاقتصادي، وينقل عنه كرامي تخوّفاً حقيقياً من إمكان حصول اهتزازات في بعض المصارف المرتبطة بزميلات أميركيّة لها، بسبب الأزمة الاقتصاديّة الأميركيّة.
كما يبدو أن سعر الدولار سيمضي نزولاً، وهو ما يؤثّر سلباً على الاقتصاد اللبناني والقدرة الشرائيّة للمواطنين، إذ إن أغلب الواردات الغذائيّة تأتي من دول تتعامل باليورو، وفي هذا الإطار، يتخوّف كرامي من مناورة ربط الزيادة على الأجور المطروحة كسلفة على غلاء المعيشة بمشروع قانون لا بمرسوم، مما يرمي الكرة في مجلس النوّاب لإحراج المعارضة. وهنا، يؤكّد أن المعارضة لن تُحرج لتُدفع صوب تسليم السلطة إلى هذا الفريق، بل إن الحكومة عادة هي المسؤولة عن الأوضاع المعيشيّة لا المعارضة.
ومنهم من يزور سوريا، فينقلون ارتياح الساسة السوريين الذي لا يجد له «دولته» مبرّراً سوى أن السوريين يرون أن الوقت يعمل لمصلحتهم، وهم لن يفاوضوا إدارة أميركية راحلة، بل يفضّلون مفاوضة إدارة مقبلة. ويمضي في تحليله فيقول إن السوريين يمكن أن يجعلوا ربيع الأميركيين وصيفهم في العراق ساخناً جداً، بحيث يتعب هؤلاء بتعداد جثث قتلاهم.
ويرى أن التهويل بحرب أميركية مجرد حكي، ويشير إلى من يسمّيهم «نخبة ضبّاط الجيش الأميركي» الذين يعلنون صراحة أن عناصرهم متعبون، وأن أي حرب قد تؤدّي إلى انهيار جيشهم «فبمن سيقاتلون: بساركوزي؟».
يعود الرئيس كرامي إلى الحديث السياسي الداخلي. في طرابلس، وضع نفسه في واجهة المطالبين بتصحيح الأمور في دار الإفتاء، وتلقّى الضربات نيابة عن مقرّبين منه سياسياً وعن آخرين مختلفين معه. فالمعركة في رأيه لا تهدف إلى سيطرة سياسيّة، بل هي معركة من أجل تطوير دار الإفتاء وجعلها مؤسسة تخدم جميع المسلمين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسيّة، فضلاً عن إدخالها عصر الحداثة بآليّات العمل وزيادة مداخيلها بدل أن تتراكم عليها الديون.
وينقل عن رجال دين طرابلسيين استغرابهم عدم وجود ملاك لدار الفتوى في طرابلس، وحصر جميع قرارات التوظيف بمفتي الجمهورية الشيخ محمّد رشيد قبّاني. كما أن مجلس إدارة الأوقاف معيّن، في حين يجب أن يكون منتخباً، وهو الأمر الذي أثاره عدد من أئمة المساجد الأعضاء في المجلس الإسلامي الشرعي.
يشعر كرامي بأن الإصلاح يمكن أن يبدأ من إصلاح المؤسسة الدينيّة التي يعاني من تردي أوضاعها المسلمون، ومن الشلل الضارب أطنابه في أملاك الوقف، ومن محاولة تطويع المؤسسة الدينية لمصلحة الزعماء.
ومن طرابلس ينتقل كرامي إلى مجمل الوطن، فيأمل بإمكان تطوّر الحياة السياسيّة في لبنان في اتجاه تحوّل كلّ من المعارضة والموالاة إلى حزبين انتخابيين كبيرين. في هذا الإطار، يشير إلى الخطوات التي قامت بها قوى 14 آذار لتظهر للعالم متانتها، بينما هي تعاني الكثير من الاختلافات، آخرها ما ظهر للعيان في موضوع مشاركة لبنان أو عدم مشاركته في القمّة العربيّة. فأسست هذه القوى ما سمّته لجنة متابعة، تكفّلت بإصدار بيانات ومواقف عن كلّ صغيرة وكبيرة لتوحي بالتماسك.
المعارضة لم تقم بخطوات شبيهة، لكن تماسكها كان أمتن من تماسك فريق السلطة. وبعد أن يستفيض بقراءته واقع الفريقين، يقول كرامي إن المعارضة مقبلة على خطوات إيجابيّة جداً. ففي الأيام القليلة المقبلة، سيلتقي ممثلون عن جميع قوى المعارضة في منزل كرامي ليتداولوا وثيقة مشتركة بينهم. انطلقت فكرة هذه الوثيقة من رغبة العماد ميشال عون بتوقيع ورقة مع اللقاء الوطني، ثم توسعت الفكرة لتضمّ حزب الله وحركة أمل وسائر أطراف المعارضة. ستكون هذه الوثيقة مكمّلة لورقة التفاهم بين التيّار الوطني الحرّ وحزب الله، أو على الأقل «لن تنسفها». وستركّز على الجوانب التي لم يتناولها أحد من قبل سوى الحركة الوطنيّة، وهو الجانب الاقتصادي الاجتماعي، «باختصار، ستمثّل هذه الوثيقة مشروع حكم المعارضة في حال وصلت إلى السلطة بعد أن نضيف إليها الثوابت السياسيّة التي تعلنها المعارضة». ويكمل كرامي حديثه بالقول إن وثيقة كهذه ستؤدّي إلى تأليف مجموعة سياسيّة أقرب إلى الحزب، تعمل تحت شعارات واحدة مع استقلاليّة ذاتيّة لكل مجموعة أو شخصيّة في مجال عملها.
وهو في هذا الإطار يحرص على عدم الحديث عن تطوّر عمل المعارضة وشعبيتها في غير طرابلس، التي يراها عاصمة المسلمين في لبنان، وأي تغيّر فيها سيؤدّي إلى تغيير الواقع الإسلامي على امتداد الوطن، ويلفت إلى الخصوصيّة الطرابلسيّة التي لم يعرف آل الحريري كيف يتعاطون معها، «فبدأوا بخسارتها بعدما ربحوها عقب اغتيال الشهيد رفيق الحريري».