ثائر غندورينشغل المواطن بخبر الزيادة على الرواتب التي تآكلت بفعل الارتفاع الكبير في الأسعار. وتنشغل الحكومة بكيفيّة الخروج من هذه الورطة بأيسر الطرق، مع تضارب آراء أركانها، كما أنها تسعى للظهور بمظهر «الحكومة الشعبيّة» مع ما تهيّئه قوى الأكثريّة من خطوات لما بعد قمّة دمشق.
في هذا الوقت، تُعدّ هيئة التنسيق النقابيّة، التي تضم روابط المعلّمين والعاملين في القطاع العام، لاعتصام في الثالث من نيسان المقبل، من أجل المطالبة بإعادة النظر في سلسلة الرتب والرواتب ورفع الحدّ الأدنى، كما يُعدّ الاتحاد العمّالي العام نفسه لإضراب آخر في الثاني والعشرين من الشهر ذاته وللأهداف ذاتها.
يرتفع هذان الإضرابان في وجه الحكومة، ومن اللافت صدور بيان تأييد من اللقاء التربوي (التابع لقوى 14 آذار) للإضراب الأول. ومعروف أن الحزب التقدمي الاشتراكي له اليد الطولى في بلورة قرار اللقاء التربوي، وبالتالي يأتي هذا البيان لينسجم مع حديث النائب وليد جنبلاط في موقفه الأسبوعي لجريدة «الأنباء» في الخامس والعشرين من آذار، إذ قال: «لا بد من اتخاذ قرارات جريئة يكون أوّلها وفي مقدّمها رفع الأجور، وهو مطلب اجتماعي ومعيشي قديم ومحقّ للطبقة العاملة التي تعاني ظروفاً حياتية صعبة، تعززها حالات عدم الاستقرار السياسي القائمة في هذه المرحلة. إن قرار رفع الأجور لا بد منه لإشاعة مناخات إيجابية، ولا سيما في صفوف الطبقة العاملة التي قدّمت الكثير من التضحيات عبر صمودها».
تجد الحكومة نفسها محرجة. عليها أن تتخذ قراراً بشأن إقرار الزيادة. وتؤكّد مصادر حكوميّة أن جميع الوزراء موافقون على المبدأ، ولكن النقاش حول الرقم، وبالتحديد حول مبلغ يراوح بين 75 ألفاً و200 ألف ليرة. وتُشير مصادر إلى أن واحداً من الأسباب الأساسيّة وراء التسريع في إقرار حق اللبنانيين بزيادة كان يجب أن تحصل منذ فترة طويلة، ويجب أن تكون أكبر ومُلزمة للقطاع الخاص، هو إحراج المعارضة ووضعها في وجه المطالب الشعبيّة.
فاللقاء التربوي يحرّك الروابط النقابيّة، وهو الذي عارض تحرّك العاشر من أيّار 2006 في وجه مشروع التعاقد الوظيفي، لكن حين يقول أحد الوزراء إن إقرار الزيادة يحتاج إلى مشروع نيابي، ويؤكّد أن إقرار هذه الزيادة سيتم في أول جلسة لمجلس الوزراء، أي في الأسبوع المقبل، وربما قبل الثالث من نيسان، فإنه يشير بشكل غير مباشر إلى وضع هيئة التنسيق في وجه المعارضة، وتحديداً الرئيس برّي. لكن المصادر الوزارية تؤكّد أن تحرّك الحكومة ليس مرتبطاً بجهة سياسيّة، وسيستمر لتحقيق المطالب المحقة والناتجة من التضخّم. ومن المفارقة أن يأتي تحرّك الاتحاد العمّالي العام بعد تسعة عشر يوماً من تحرّك هيئة التنسيق، رغم توحيد المطالب!
مصادر عمّاليّة تُشير إلى سببين: أوّلهما أن هيئة التنسيق مستقلّة، مع تأثير مقبول للحزب الشيوعي في قراراتها، بينما الاتحاد العمّالي موجود في أحضان المعارضة. والسبب الثاني هو أن هيئة التنسيق تريد أن تذهب إلى آخر الطريق في تحرّكها، بينما السقف السياسي المحدّد للاتحاد العمّالي العام حتى اليوم هو إضراب واحد، لأن المعارضة لم تتخذ بعد قراراً بالتحرك والتصعيد. وهكذا يبدو أن على الحصن النقابي الأخير أن يستعد جيداً، فسيناريو منتصف التسعينيات بحق الحركة العمّاليّة قابل للتطبيق اليوم مرة أخرى.