إبراهيم الأمينتقترب الأزمة اللبنانية من مستوى جديد في ضوء عجز مؤتمر القمة العربية عن إنتاج آلية جديدة للحل، أو تفعيل المبادرة الموجودة. حتى إن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى لا يملك تصوّراً واضحاً للتحرك في المرحلة المقبلة، ما عدا تأكيده أن أزمة الخلافات العربية ـ العربية من شأنها تعقيد الأزمة اللبنانية، لكنّ علاج أزمة لبنان لا يمكن رهنه بحل الخلافات العربية ـ العربية وحده، بل ربما يمكن القول، في رأي موسى، إن توفير علاجات للأزمة اللبنانية ولو على شكل انفراجات من شأنه المساعدة على ترتيب العلاقات العربية، ولا سيما الجانب السعودي ـ السوري منها.
بالطبع، لا ينكر موسى أن الأزمة اللبنانية باتت صعبة ومعقّدة، لكنه يرى أن أزمة العلاقات بين العواصم العربية ليست أقل تعقيداً، وهو، وإن كان يتوقع توتراً إضافياً على الصعيد العربي، إنما يعبّر عن خشية جدية من انعكاس ذلك مزيداً من التوترات اللبنانية، وإذا أُحرج في السؤال فإنّه يقول صراحة إن الخشية تستند إلى احتمال حصول عملية تنافس وتجاذب وتصفية حسابات عربية ـ عربية على الأرض اللبنانية.
ولئن كان موسى يشدّد على الجهود الإضافية التي يمكن الجميع بذلها في المرحلة المقبلة، فإنه يرغب في العودة الى بيروت في وقت غير بعيد، لكنه يبدو أنه يشترط لخطوته هذه تلقّي إشارات تسمح له باستئناف المسعى. وهو يختصر الأزمة اللبنانية في واقعها الراهن بالآتي:
ٍأوّلاً: إن هناك تفاهماً قائماً بصورة جدية على المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان، وحتى لو برزت اعتراضات أو رغبات أو ملاحظات، فإن الجميع يقرّ بأن سليمان هو المرشح التوافقي الوحيد المتوافر الآن، وبالتالي، فإن البند الأول من المبادرة العربية قابل للتنفيذ.
ثانياً: إن النقاش في قانون الانتخاب قائم وفق نظرية تستند بإجماع الكل إلى أن قانون عام 1960 واعتماد القضاء دائرة انتخابية هو أساس لأي بحث، وبالتالي، فإن الجميع يقر بوجود خلافات حقيقية بشأن الأمر، ومن غير الممكن الحصول على توافق متكامل، لكن هناك إمكان لجعل البحث جدياً. أمّا ما يجب أن يدركه اللبنانيون، فهو أن قانون الانتخاب ليس شأن الدول العربية الأخرى، ومن الصعب رهن توافق على هذا البند بحصول توافق عربي ـ عربي. حتى إنه يصعب إشعار القوى العربية بأهمية هذا البند شرطاً مسبّقاً، مما يعني أن بتّه يجب تركه لمناقشات يفترض أن تحصل في وقت لاحق في البرلمان.
ثالثاً: إن النقاش متوقف فعلياً على البند الخاص بتأليف حكومة الوحدة الوطنية، وقد سبق أن حصل مثل هذا النقاش وبات الجميع يعرف مواقف الجميع. الأكثرية ترفض فكرة العشرات الثلاث، وفي فريق المعارضة نفسه من هو غير متحمس لها، ثم إن التوافق يجب أن يكون مترافقاً مع كمية من الضمانات التي يمكن توفيرها بحضور الجامعة العربية وتأكيدها وضمانها ومتابعتها، وحتى بمشاركة عواصم دولية إذا اقتضت الحاجة.
وفي النقطة الأخيرة، يعتقد موسى أن الأمر يرتبط بحسابات الأطراف اللبنانية، وإذا أظهر اللبنانيون رغبة جدية في التوصل إلى توافق على هذه النقطة، فإنّه يمكن التوصل إلى صيغة تجمع بين التركيبة الوزارية ( يتدخل أحد مساعدي موسى للحديث عن صيغة 13 – 7 -10 مع إشارة إلى إمكان توفير حصة وزير إضافي للمعارضة من حصة رئيس الجمهورية، وأن إعلان المعارضة الاستعداد لخطوة كهذه مترافقة مع برنامج الضمانات من شأنه فتح الباب واسعاً أمام الحل). ثم يضيف موسى: إن ذلك يسهّل إنجاز الخطوة الأهم، وهي انتخاب الرئيس، وهناك توافق جدي على حفظ المسائل الجوهرية الواردة في البيان الوزاري الحالي لحكومة السنيورة، وبالتالي، فإن وجود رئيس للجمهورية سيتيح تفعيل التواصل بين القوى اللبنانية وإدارة حوار مفقود، وهو طريق لا بد منه للسير نحو جل متكامل، علماً أن الجميع يدرك أن انتخاب الرئيس ليس هو الحل بأكمله.
لكن هل ذلك يكفي لإطلاق آلية جديدة للحل؟
في الاجتماع الصباحي لوزراء الخارجية بدا أن ملف لبنان قد جرى تجاوزه في اللقاء الموسع، حتى إن مسؤولين سوريين ومرافقين للأمين العام للجامعة العربية يتحدثون عن هدوء كان متوقعاً ويفترض أن يستمر لناحية تثبيت ما خرج به الاجتماع الوزاري الأخير في القاهرة، والكل يتذرع بأن لبنان غائب، وأن الحضور السعودي والمصري ليس من النوع الذي يتيح فتح آفاق جديدة، لكن اللافت في رأي موسى أن الاهتمام العربي قد لا يظل منصبّاً على الملف اللبناني وحده، وخاصة أن الخلافات بين الدول العربية تتوزّع على شؤون أخرى، مثل العراق وفلسطين، فضلاً عن العلاقات مع إيران. ويعتقد موسى أن على اللبنانيين القيام بمبادرة من شأنها إبقاء الاهتمام العربي منصبّاً على آلية دعم أي توافق لبناني ـ لبناني. علماً أن موسى يشير بأسف إلى أن أزمة الثقة قائمة بصورة جدية، ويصعب تجاوزها بالحديث المكرّر عن موضوعات مكرّرة. علماً أن موسى لا يحب الاستطراد عندما يقترب الحديث من المبادرة، التي يقول رئيس المجلس النيابي نبيه بري إنه يريد القيام بها في وقت لاحق.
لكن ماذا عن واقع العلاقات العربية ـ العربية؟
موسى لا يخفي التوقع المسيطر على الجميع بأن الأزمة قابلة للتفاعل سلباً في المرحلة المقبلة، ولا يريد التوسع في الحديث، لأنه يعتقد أن عليه شخصياً وعلى أطراف آخرين العمل بقوة لتليين الأجواء. وعندما يُسأل عن المقترح السوري لتأليف لجنة عربية ـ عربية من دول عدة لمتابعة ملف العلاقات بين هذه الدول، لا يبدو متحمساً، بدليل إشارته السريعة إلى وجود أفكار أخرى، وفي هذه اللحظة يتدخل أحد مساعديه موضحاً أنه يصعب تأليف لجنة تضم المتخاصمين ويُطلب إليها حل الخلافات بين المتخاصمين أنفسهم. وبالتالي، يجب البحث في خيارات أخرى. الأمر الذي يبدو صعباً في اللحظة الراهنة.
على أن مناخ دمشق لا يبشر بوجود آفاق لحلول قريبة، بل على العكس، فإن مسؤولاً سورياً يتحدث صراحة عن حرص القيادة السورية على إمرار القمة العربية من دون توتّرات إضافية، ولا يخفي أن لسوريا حساباً طويلاً مع مصر والسعودية تريد تصفيته في وقت قريب. وهو حساب يتركّز على الرياض قبل القاهرة. وبالتالي، فإن الكلام المباح مؤجّل إلى الاثنين على أقل تقدير.