تكهّنات بشأن زيارة رايس لبيروت اليوم والموالاة تتحضّر لإجراءات ما بعد القمّةرغم أن أنظار العرب والعالم تتجه اليوم إلى دمشق حيث تنطلق أعمال القمة العربية العشرين، فإن اللبنانيين بدأوا يترقبون بقلق مرحلة ما بعد القمة، في ظل تصاعد التلويح بإجراءات سياسية أُحادية، والتحذير من تطورات أمنيةعلى وقع إطلاق النار ابتهاجاً، بدايةً وخلال وعند النهاية، وجّه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة كلمة متلفزة إلى اللبنانيين والعرب «والإخوة في سوريا الشقيقة»، تحدث فيها عن واقع العلاقات اللبنانية ـ السورية، ثم عن قرار الحكومة مقاطعة القمة، الذي كرّر أن سببه الإصرار على عدم المشاركة بلا رئيس للجمهورية، متّهماً سوريا بأنها «لعبت دوراً رئيسياً في احتدام الأزمة السياسية في لبنان، وأسهمت من خلال تدخلها المستمر في الشؤون اللبنانية الداخلية في: منع وصول المرشح التوافقي إلى الرئاسة، عرقلة المبادرة العربية، وتعطيل الجهود التي قام بها الأمين العام للجامعة العربية في إطارها، وذلك في ظل استمرار التعطيل القسري لمجلس النواب منذ أكثر من ستة عشر شهراً».
وتوجّه إلى القادة العرب بالقول: «لم يعد مقبولاً أن يجري التعامل مع لبنان لا من جانب سوريا الشقيقة، ولا من جانب إيران الصديقة، ولا من أي دولة شقيقة أو صديقة أو أي دولة أخرى من دول العالم، باعتباره منطقة نفوذ أو ساحة مفتوحة للتقاتل ولتصفية الحسابات، وليس دولة مستقلة ذات سيادة»، محدّداً لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع سوريا، الالتزام المشترك بستة مبادئ وتوجهات ومواقف، أولها: إن العلاقات يجب أن تمر عبر الحكومتين، وعدم السماح بقيام علاقات بين أي من هاتين الحكومتين ومجموعات أو فصائل سياسية أو حزبية أو عسكرية، في البلد الآخر، في معزل عن سلطات الدولة الرسمية ومؤسساتها الدستورية.
ثانياً: التزام كل من الحكومتين عدم استخدام أراضيها ممراً أو معبراً، بما يمكن أن يؤدي إلى تهديد الأمن أو زعزعة الاستقرار في البلد الآخر، وبأن لا تُستخدم أراضي البلد الآخر أو تسهّل استخدام تلك الأراضي لأغراض سياسية أو أمنية أو عسكرية دون موافقة البلد المعني بصورة واضحة ورسمية. وثالثاً: قيام علاقات دبلوماسية بين البلدين. ثم رابعاً: ترسيم الحدود وتحديدها مع أولوية قصوى لتحديد حدود مزارع شبعا على الخرائط، لمساعدة لبنان على تحرير أرضه بمقتضى القرار 425، قائلاً إن لبنان «الذي يرفض إقامة سلام منفرد مع الكيان الصهيوني، يريد إعادة العمل باتفاقية الهدنة، استناداً إلى ما نصّت عليه النقاط السبع»، وإعلان وقف دائم للنار وفقاً للقرار 1701.
وفي البند الخامس، دعا سوريا إلى «التجاوب والتعاون» لإزالة المعسكرات الفلسطينية خارج المخيمات ومعالجة قضية السلاح وضبطه داخل المخيمات. وأخيراً، تطرق إلى
موضوع المفقودين والمعتقلين في السجون السورية، مطالباً بتحقيق كل ذلك في إطار «تفاهم جدي بين لبنان وسوريا برعاية الجامعة العربية».
وختم مطالباً القادة العرب بوضع «مسألة العلاقات اللبنانية السورية في مطلع الأولويات، بما في ذلك الوصول إلى الدعوة لعقد اجتماع خاص لوزراء الخارجية العرب في أقرب
وقت ممكن».
وقبل بث الكلمة، أرسلت الدوائر المختصة في السرايا، نصها إلى «كل الملوك والرؤساء والمسؤولين العرب». وكان السنيورة قد تلقّى اتصالاً من الأمين العام للأمم
المتحدة بان كي مون، استوضحه فيه أسباب قرار عدم المشاركة في القمة.
وإن صحّ ما تكهنت به أوساط سياسية أميركية وعربية (مراسلنا في واشنطن)، فإن رسالة الضغط الحقيقية على القمة، ستكون بتوقّف وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس التي ستزور المنطقة، في بيروت اليوم، لإظهار الدعم الأميركي لحكومة السنيورة
وفريق الموالاة. وهو أمر رفض مسؤول في الخارجية الأميركية تأكيده أو نفيه، قائلاً إن ما يمكن أن يؤكده هو أنها ستزور عمان والقدس.

مطالب وآمال لبنانيّة برسم القادة العربووضع رفض إعطاء الثلث الضامن للمعارضة، في خانة المحاولات لتمرير التوطين وبيع عدد من قطاعات الدولة بأسعار بخسة. واتهم أركان الموالاة بأنهم «يريدون وضع قانون انتخابي على قياسهم»، لكنه رأى أن أمام اللبنانيين «فرصة ذهبية للخروج من الأزمة الراهنة»، داعياً كل الأطراف إلى الجلوس معاً «للاتفاق على ما من شأنه تأمين المصلحة اللبنانية وصونها، وإلّا فإن الجميع سيكون خاسراً».
كما وجّه بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام، رسالة إلى المؤتمرين، أعرب فيها عن شعوره بأن هذه القمة «ستكون من أهم القمم العربية، رغم الصعوبات التي تواجه انعقادها، والتحديات التي تتنظرها»، وأنها «قمة مميزة لأنه يرتجى منها معالجة الأزمة في لبنان»، معوّلاً على ما سيقوم به القادة العرب «في سبيل مستقبل السلام في فلسطين، والعمل لتخفيف آلام ومعاناة أهلنا في العراق، وخصوصاً ما ستجهدون إليه لحل أزمة العلاقات اللبنانية السورية، وتصحيحها وتصويبها»، واصفاً هذه العلاقات بأنها «من أهم العلاقات الثنائية بين بلدين عربيين على الصعد الثقافية والدينية والاجتماعية والعائلية، وهي الأكثر عمقاً في التاريخ السحيق وفي التاريخ المعاصر».

الموالاة و«سلّة خيارات جديدة إذا...»

في هذا الوقت، برزت مخاوف وتكهنات في شأن مرحلة ما بعد القمة، إذ وصف الرئيس أمين الجميل في حديث إلى «صوت لبنان»، الوضع بأنه «هش»، وقال: «أيّاً كان الانضباط الذاتي الذي يمارسه اللبنانيون في الوقت الحاضر، فإن شريعة الغاب لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل». وأعرب عن خشيته من أن يتيح بقاء الوضع على حاله واستمرار الفراغ «لما يسمى الطابور الخامس أو الفريق الثالث أو أي فريق له مصلحة بالتفجير وبإمكانه أن يصطاد بالماء العكر، العمل على تجاوز الهدنة القائمة الآن، فنقع في إشكالات على الأرض».
ومع أمله «أن لا يحدث أي خلل»، قال النائب سمير الجسر: «إذا ما حدث أي خلل، فالمسألة ستكون واضحة، لأن المتضررين من عدم ذهابنا إلى القمة هم الذين سيكونون قد سبّبوا هذا الخلل، فإن كانوا مستعدين لتحمل هذه المسؤولية، فليفعلوا». فيما توقع النائب وائل أبو فاعور المزيد من التصعيد السياسي والأمني «لأنه لا يبدو أن النظام السوري في وارد التسامح مع الإهانة التي لحقت به في قمة دمشق، نتيجة سلوكه السياسي وخروجه عن الإجماع العربي». ورأى أنه «على القوى الاستقلالية أن تكون جاهزة مع سلة خيارات أخرى في لحظة ما، إذا ما أفشلت المبادرة العربية».
وأمس انضمّ مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني إلى المدافعين عن قرار مقاطعة القمة، معتبراً أنه «يعبّر عن رفض اللبنانيين للوضع المأسوي الذي يعيشونه بدون انتخاب رئيس للجمهورية، واستمرار تعطيل المؤسسات الدستورية». وحدّد الفرصة الوحيدة للحل بالعودة إلى المؤسسات الدستورية «للتوصل إلى نتائج إيجابية بمساعي جامعة الدول العربية، التي تحظى بتأييد الأطراف اللبنانية كافة».

استحقاق مهمّ لكنّه ليس آخر المطاف

في المقابل، قال الوزير المستقيل فوزي صلوخ «إن القمة استحقاق مهمّ، لكنها ليست آخر المطاف في حياتنا الوطنية داخلياً وخارجياً، وما من سبب يدعونا للوقوع في حالات من التوتر بعد القمة، فالإرادات الداخلية الخيّرة كثيرة، وستحاول منع أي إشكالات يمكن أن تؤدي إلى أمور لا يريدها اللبنانيون، توصّلاً إلى حل للأزمة السياسية». وتمنّى «أن يكون اتفاق العرب مدخلاً للاستقرار في لبنان، وألّا يكون لبنان مثاراً لخلافاتهم»،
ووضع النائب قاسم هاشم «لغة التصعيد التي بدأتها قوى السلطة منذ أيام»، ومن ضمنها مذكّرة الأكثرية، في إطار «لغة التحريض والتضليل وإثارة الغرائز»، معتبراً أنها «تفضح دورهم وتوجّهاتهم لزيادة مساحة التوتر الداخلي، استجابةً وخدمةً لمشروع أميركي إسرائيلي».
وقلّل الوزير السابق محسن دلول من أهمية التلويح بخطوات جديدة بعد القمة، مستبعداً إمكان التمديد للمجلس النيابي، أو دعوة المجلس إلى الانعقاد عبر نائب رئيسه فريد مكاري، ورأى أن ذلك «معالجة قزمية وتصرفات أقزام». وقال إن الحل بحكومة حيادية مصغرة مهمتها إعداد قانون انتخابي. كذلك رأى الوزير السابق البير منصور، أن محاولات التمديد للمجلس «من المستحيلات»، منبّهاً إلى أن الإقدام على هذه الخطوة «يعني الوصول إلى مرحلة لا تمكّننا من إجراء الانتخابات، وبالتالي تسقط شرعية المجلس وشرعية الحكومة تبعاً لذلك، وتصبح الحكومة الحالية حكومة أمر واقع بشكل مطلق، الأمر الذي يسمح لأي من القوى بالتحرر من هذه السلطة، لأننا بذلك نصبح أمام مرحلة تأسيسية تأخذ فيها قوى الأمر الواقع بزمام المبادرة».
وفي بيان مشترك عقب اجتماعها الدوري، أملت اللجنة المشتركة بين جبهة العمل الاسلامي وحزب الله، أن تمارس القمة «مزيداً من الضغوط لتنفيذ بنود المبادرة العربية لحل الازمة اللبنانية المستعصية، وتحقيق المصالحة الداخلية». واتهمت الموالاة بـ«التلطّي خلف انتصارات موهومة واختراقات مزعومة»، بهدف «تضليل وتعمية الرأي العام»، ورأت في ذلك «دليلاً على إفلاس هذا الفريق وعجزه».
في تحركات ولقاءات المعارضة، التقى وفد من قيادة حركة أمل برئاسة النائب علي حسن خليل، قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي، وذكر رئيس الحزب علي قانصو، أن وضع «صيغة جبهوية جامعة لقوى المعارضة، ومستندة الى الرؤية السياسية الواحدة التي تجمع أطيافها، بات على نار حامية، ويحتاج إلى القليل من استكمال النقاش والحوار». كذلك، أعلن خليل أن الصيغة «ستبصر النور قريباً»، وأن المعارضة «سترفع صوتها بشكل عال أمام كل المخالفات الدستورية والممارسات التي تعمّق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية».
وكان خليل قد نفى ما ورد في تصريح لمدير مكتب عمرو موسى السفير هشام يوسف، ذاكراً أن ما أورده الأخير «تجاه الموقف من توزيع الحكومة على قاعدة الثلاث عشرات أو المثالثة غير صحيح على الإطلاق».

برّي يثير موضوع الخروق الإسرائيليّة

على صعيد الخروق الإسرائيلية للقرار 1701، أثار رئيس مجلس النواب الموجود على رأس وفد في أثينا للمشاركة في أعمال الجمعية البرلمانية الأورو ـ متوسطية، مع رئيس البرلمان الأوروبي هانز برت بوتيرينغ، هذا الموضوع، إضافةً إلى موضوع القنابل العنقودية، والرفض الإسرائيلي لتسليم خرائط هذه القنابل والألغام، كما عرض معه المبادرة العربية ودعوته الجديدة إلى الحوار.
ورأت كتلة الوفاء للمقاومة في الخرق الأخير في محور بلدة الغجر تأكيداً على «خطورة الكيان الصهيوني على الاستقرار، وعدم احترامه واستعداده للالتزام بالمواثيق الدولية»، مشدّدة على «ضرورة وضع حد لهذا التمادي الإسرائيلي». ووضعت الأمر «برسم الأمين العام للأمم المتحدة، والدول التي تدّعي حرصاً زائداً على تنفيذ القرار 1701»، داعيةً قيادة اليونيفيل «إلى معالجة هذا الخرق بإعادة الأوضاع في محور الغجر إلى ما كانت عليه قبل الخرق، وعدم الاكتفاء بالترقيم» وتعداد الخروق المتكررة.


جولة بيروتيّة «تحسّباً لما بعد القمّة»
تحت عنوان «تحسّباً لما بعد القمة»، بدأ وفد من تكتل «التغيير والإصلاح» وقياديي التيار الوطني الحر ضم النائبين عباس هاشم ونبيل نقولا، وبيار رفول ونقولا إبراهيم، بتكليف من النائب ميشال عون جولة «بيروتية»، شملت الرئيس سليم الحص، النائب أمين شري، المكتب السياسي لحركة أمل، الاتحاد البيروتي، وتجمع الإصلاح والتقدم، على أن تتبعها لاحقاً جولات مماثلة في باقي المناطق.
وإذ رأى هاشم أن القمة «ستفجّر التناقضات العربية ـ العربية»، استبعد إمكان «أي تفجير على الساحة الداخلية لكون من يملك عناصر القوة يملك عناصر الحكمة والعقل». وقال إن هدف الجولة «زيارة القوى السياسية الوطنية الحقيقية لإيجاد مساحة مشتركة لمنع تداعيات ما هو مخطط لهذه المنطقة وللبنان تحديداً». وقلّل من شأن التلويح بالانتخاب بالنصف زائداً واحداً أو ترميم الحكومة، قائلاً: «إنهم على الرغم من كل إسقاطاتهم يجب ألّا يسعوا إلى الاتجاه نحو الهاوية بسرعة فائقة». وذكر أن مساعي تكوين إطار جبهوي لقوى المعارضة «أصبحت متقدمة جداً»، مبدياً تفاؤله «بإمكان إيجاد الحلول الناجحة التي يمكن أن تنجي البلاد من التأزم الذي تعيشه على قاعدة الثوابت الوطنية للمعارضة».
ورأى نقولا أن الموالاة «في حالة إرباك كليّ اليوم، وهي تتصرف بناءً على طلب أميركي وتنفيذاً لمشروع الفوضى الخلاقة». وذكر «أن المعارضة ما زالت متمسكة بالمبادرة العربية، لكن للأسف الفريق الآخر هو الذي يتماهى مع الشروط الأميركية». فيما كشف شري عن جولة مماثلة لكتلة الوفاء للمقاومة وحزب الله «للتواصل مع كل الأفرقاء». وقال إن المعارضة، على ضوء نتائج زيارة عمرو موسى إلى بيروت «الأسبوع المقبل» ستتخذ الخطوات «التي تحصّن موقفها الأساسي بعنوان: المشاركة».
وشدّد الاتحاد البيروتي، في بيان له بعد اللقاء، على ضرورة العمل «على ترسيخ الوحدة الوطنية والعمل يداً بيد على مواجهة أبواق الفتنة التي يحاول البعض زرعها بين اللبنانيين»، مؤكداً «هوية بيروت الوطنية ونضال أبنائها في سبيل قضاياهم المحقة»، وأكّد «الالتفاف حول سلاح المقاومة ومؤازرته وحمايته كضرورة وطنية أثبتت جدواها في مواجهة الأطماع الإسرائيلية المستمرة على لبنان».