strong>يمثّل التغيّب المفاجئ للرئيس اليمني علي عبد اللّه صالح عن القمّة العربيّة في دمشق إشارة رمزيّة إلى خروج إعلان صنعاء بين حركة «حماس» والسلطة الفلسطينيّة من مداولات القمّة، حيث يبدو أنّ الوقت لم يحن بعد للاعتراف بـ«حماس» شريكاً، وأن لا أحد يريد إحراج الرئيس محمود عبّاسإبراهيم الأمين
بعد ظهر أمس، استقبل رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل وزير الخارجية اليمنية أبو بكر القربي بناءً على طلب الأخير، وسمع منه تفسيرات لقرار الرئيس اليمني علي عبد الله صالح التغيّب عن قمة دمشق، وهي مبرّرات سبق أن قُدِّمت إلى القيادة السورية وتُركّز على انشغال صالح في مواجهة قضايا داخلية. غير أنّ الجميع في المركز الإعلامي المتابع لأعمال القمة العربية تحدّثوا عن تطوّرات تتعلّق بالموقف السعودي الضاغط لعدم رفع مستوى التمثيل في القمة العربية، وعن إحراج سببه رفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المضيّ في إعلان صنعاء، الذي بدا محرجاً له ولأطراف أخرى، من بينها مصر وحتى السعودية، إضافة إلى الأميركيّين والإسرائيليّين.
وبحسب المعلومات، فإنّ المنطق الذي تحكّم في إدارة الملف الفلسطيني في القمة العربية كان يأخذ بعين الاعتبار وجود الرئيس اليمني للخروج بقرار يدعم المبادرة اليمنيّة ويجعلها أساساً في معالجة المشكلات الفلسطينية الداخلية، وهي المشكلات المتّصلة عملياً بالموقف من وجهة الصراع مع إسرائيل. لكن بدا أنّ فريق السلطة المنتمي بقوة إلى محور «عرب أميركا» لا يريد المزاوجة بين المقاومة والمفاوضات، بل إنّه، على عكس ذلك، يرى في إقرار إعلان صنعاء منح سلطة حماس في غزة مشروعيّة يتجاوز الإقرار بها قوّة أمر واقع.
وتضيف المعلومات إنّ المصريّين الذين يركّزون الآن على إقرار تهدئة من جانب قوى المقاومة الفلسطينية تستمر فترة من الوقت، يعتقدون بأن الأوان لم يحن بعد للتعامل مع حماس كشريك فلسطيني في صناعة القرار، بل إنهم يريدون دفعها إلى مقايضة من النوع الذي يمكنها تجاوزه بحسب ما أظهرت تطورات السنة الأخيرة. فبعد محاولة احتوائها من خلال الانتخابات النيابية، جاء انتصارها ليمثّل مشكلة للقوى الرافضة لخيار المقاومة. ثم جرت محاولة محاصرتها وتعطيل عمل حكومتها، وهو الأمر الذي تفاقم وأدّى إلى رفع مستوى التوتر الداخلي، حتّى وصلت الأمور إلى مستوى يهدّد الوحدة الفلسطينية، فكانت مبادرة التواصل الفلسطيني ـــــ الفلسطيني في سوريا، التي انتهت إلى مشروع اتفاق وُقِّع لاحقاً في مكة، وتبيّن أنه لم يكن يحظى بغطاء عربي كامل ولا بأي نوع من الدعم الغربي والأميركي على وجه الخصوص. كما تبيّن أيضاً أنّ القوى التي رفضت هذا الاتفاق كانت في أجواء ما يجري العمل عليه لتوجيه ضربة عسكريّة داخل غزّة نفسها إلى حركة حماس ضمن مخطط كُشف عنه لاحقاً، وكان للمسؤول الأمني السابق محمد دحلان الدور المركزي فيه. لكن الحسم السريع من جانب حماس للوضع في قطاع غزة، دفع بهذه القوى والعواصم الغربية إلى منح إسرائيل الغطاء للقيام بمزيد من عمليات القتل المترافقة مع حصار وتجويع، ولم ينتهِ الأمر إلى تحقيق نتائج مثل قيام انتفاضة شعبية فلسطينية في القطاع ضد حماس، كما فشلت محاولة الانقلاب الأمني على الحركة من جانب مجموعات يدعمها الدحلان.
وبحسب القراءة نفسها، فإن الوجهة الأخيرة ركّزت على محاولة وضع أهل قطاع غزة وقواها أمام خيارين، إمّا العودة إلى حضن السلطة الفلسطينية، وبالتالي التراجع عن خيار المقاومة، وإمّا مواجهة حرب إسرائيلية جديدة، وهي المواجهة الأخيرة التي انتهت إلى الفشل لأسباب كثيرة، بينها السياسي وبينها الميداني. لكنّ الخلاصة الأهمّ هي أنّه لم يحصل انهيار في الجبهة الفلسطينية، كما لم تحصل مشكلات في الجبهة الداخلية الفلسطينية داخل القطاع. وأنتجت وقائع مختلفة، أبرزها تحطيم الجدار الفاصل بين القطاع والأراضي المصرية. وهو الأمر الذي زاد من غضب المصريّين الرافضين لتولّي حماس إدارة القطاع المحاذي لهم. حتى إن رئيس جهاز المخابرات المصرية عمر سليمان بادر الى تهديد الفلسطينيين بأنه إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإن الجيش المصري سوف يتسلّم المعابر، ما يعني جعلها منطقة عسكرية مغلقة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه لأسباب مختلفة، بينها نوعية الاتفاقات العسكرية التي تضمّنتها اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.
وبحسب المصادر الفلسطينية، انطلقت الاتصالات الجديدة مع القيادة المصرية عملياً بعد توقف الحملة الإسرائيلية الأخيرة. لكن المصريين يريدون حصر الأمر بالجانب التقني، وهو ما كشفت عنه المحادثات التي أجراها وفدا حركتي حماس والجهاد الإسلامي في القاهرة خلال الفترة الأخيرة، حيث تقول مصر إن بمقدورها انتزاع تهدئة إسرائيلية محدودة مقابل وقف إطلاق الصواريخ من داخل القطاع باتجاه الأراضي المحتلة عام 1948، وهو الامر الذي قال الفلسطينيون إنه ممكن التحقيق إذا بادرت إسرائيل إلى وقف كل أشكال العدوان على غزة وعلى الضفة الغربية، ورفع الحصار بكل أشكاله وفتح المعابر مع مصر وبقية الأراضي من دون ربطها بآلية مراقبة تتبع لقوى غير فلسطينية.
ويكشف مصدر متابع عن اجتماع أمني عقد أخيراً وجمع مسؤولين أمنيين من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والأردن ومصر تناول البحث فيه مستقبل العلاقة مع قطاع غزة. واتُّفق فيه على أنه لا مجال للإقرار بحماس شريكاً كاملاً، ولا برفع تام للحصار، لأن في ذلك ما يعزز القدرات الميدانية عند المقاومين، وأن المعابر يجب أن تكون تحت سلطة الرئيس محمود عباس وبإشراف الجانب الأوروبي على الأقل. وهو ما يعني عملياً عدم إمكان التوصّل إلى حل سريع.
ولذلك، فإنّ المصادر الفلسطينية المتابعة لم تكن تتوقّع تعويم إعلان صنعاء بطريقة تحقّق مكاسب لقوى المقاومة الفلسطينيّة، وبالتالي فإنّ القمّة العربية لن تخرج بمقرّرات خاصة. ويبدو أن الاتصالات تكثّفت خلال اليومين الماضيين بين قيادة حركة حماس الموجودة في دمشق ورؤساء الوفود العربية المشاركة، إلى جانب الأمانة العامة للجامعة العربية التي أوفدت أمس مدير مكتب عمرو موسى السفير هشام يوسف إلى قيادة حماس للتباحث في مخرج لهذه الأزمة.
ويبدو من كلام القيادات الفلسطينية، أنّ ما هو متوقّع من توتّر إضافي على صعيد العلاقات العربية ـ العربية بعد القمة العربية، وما يخص الجبهة اللبنانية أو العراقية، سوف ينسحب أيضاً على الجبهة الفلسطينية، ما يعني أن الفرز السياسي القائم حالياً سوف يصبح أكثر وضوحاً وأكثر شراسة.