نادر فوزيقرّ طرفا النزاع اللبناني بأنّ من يمتلك النفَس الأطول سيربح «الحرب» الداخليّة. تستعدّ المعارضة، من جهتها، بعد سلسلة من الإخفاقات والانتصارات، لاستكمال الصراع في جولة ما بعد القمّة. رغم التشتّت بين عناوين تبدأ بالوضع الداخلي لتيّارات المعارضة والتنسيق الدائم بين قواها ولا تنتهي بمواجهة الهجمات السياسيّة السلطويّة، يبدو أنّ المطالبين بالشراكة ما زالوا في حالة من التماسك.
لا تزال عملية التنسيق السياسي والاستشاري بين قوى المعارضة محصورة باجتماعات دورية بين «رؤوسها الكبيرة» أو ممثلين عنها، فيما التفاهم على القضايا كلامي بين معظم القوى، باستثناء حزب الله والتيّار الوطني الحرّ، لذلك يجري الحديث اليوم عن إعداد وثيقة سياسية تجمع المعارضين.
«طرحت مشاريع عديدة لإعداد وثيقة سياسية، لكن رأينا أنها فضفاضة وإعلامية أكثر منها عمليةً»، يقول مسؤول في جهة معارضة رئيسية، مؤكداً أنّ الحزب الذي ينتمي إليه فضّل دراسة الورقة «كي لا تكون مشابهة لوثيقة 14 آذار الفارغة من أي جديد سياسي».
وعن الوضع الحالي لقوى المعارضة، يؤكد المسؤول أنّ كل القوى «مستعدّة لدعم بعضها لبعض، ونعلن دعمنا السياسي الكامل لأي طرف يريد مشاركتنا مشروعنا المعارض الهادف إلى تكريس المشاركة العادلة والفعلية في الدولة، وطبعاً تكريس مفهوم المقاومة وتوحيد البندقية بوجه إسرائيل».
نيّة توسيع دائرة المعارضين واضحة لدى المسؤول، إلا أنه يوضح قبل المتابعة أنّ المعارضة تعاني مشكلة «الزعامات المناطقية الصغيرة، فلا يمكنك العمل مع فلان كي لا تزعج علتان».
ويلفت المسؤول المعارض إلى أنّ التيّار الوطني الحرّ يعاني ضغوطاً كبيرة عليه، «إن كان من الداخل أو الخارج»، مشدداً على أنّ المناصرين الذين يخسرهم التيّار لا يتوجّهون إلى القوات اللبنانية أو قوى 14 آذار المسيحية، ليضيف: «أعتقد أنّ العماد عون يستطيع إعادة استقطابهم خلال أي مرحلة أو مفصل سياسي مهم». أما المشكلة الأساسية للتيّار فهي «عدم تحوّل عدد كبير من قوى المعارضة، ومنها «الوطني الحرّ»، إلى أحزاب تعمل بشكل مؤسساتي صحيح يضمن الاستمرارية».
وعن الوضع الداخلي للمعارضة، يعترف المسؤول بأن اختراق الشارع السنّي أمر صعب جداً لـ«استمرار الأسلوب العاطفي المنتهَج من تيّار المستقبل»، لكن المعارضة «متفائلة بوضع الطائفة السنية التي نعتقد بأنها ستعود إلى موقعها الطبيعي في خانة القومية العربية»، دون أن ينفي التخوّف «من وجود عدد من المجموعات السنيّة المستعدة للتوجه مع الحريري والسعودية إلى أي مكان، حتى ولو كان إسرائيل».
أما خطوة السلطة في توسيع أو ترميم الحكومة، فيقرأها المسؤول المعارض على أنها «مسعى أطراف محلية إلى توتير الأمور في الداخل بهدف الوصول لقرارات دولية»، والطرفان واضحة معالمهما فـ«نعرف من يزور الولايات المتحدة، ومن يستقبل مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش ورئيس قسم الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي إليوت أبرامز».
من جهة أخرى، يرى عضو كتلة التغيير والإصلاح، النائب إبراهيم كنعان، أن الحكومة تعجز عن الإقدام على خطوة ترميم أو توسيع الحكومة، مشبهاً القضية بالنصف زائداً واحداً... فتجاوز بعض الضوابط «ستتحمّل الأكثرية مسؤوليته كاملةً». ويقول كنعان إنّ طرح هذه القضية «هروب إلى الأمام من جهة السلطة»، لحقن الشارع والرأي العام وعدم الاعتراف بسقوط مشروع الموالاة بعدما اختزلت صلاحيات الرئاسة.
وعن إمكان إعداد وثيقة سياسيّة عامة لقوى المعارضة، يؤكّد كنعان أنّ التنسيق لا يزال محصوراً حتى اليوم في اجتماعات بين المعارضين لتحديد عناوين وملفّات كل مرحلة، مؤكّداً أنّ المهم اليوم وجود رغبة لدى المعارضة أن تستبق مرحلة الفراغ القادمة بعد القمّة العربية «مهما كان أسلوب ترجمتها، إن كان عبر وثيقة أو مبادرة أو رؤية مشتركة».
والعنوان الأهمّ بعد قمّة دمشق، بحسب كنعان، هو القانون الانتخابي، «إذ يستطيع أن يطمئن المعارضة وكل اللبنانيين لمستقبل التمثيل السياسي لاحقاً»، مشيراً إلى أنه من خلال تهميش المسيحيين في السابق والمعارضين اليوم، «يجب أن يعرف الجميع أهمية قانون الانتخاب».
من جهة أخرى، يؤكد رئيس مجلس قيادة حركة التوحيد وعضو جبهة العمل الإسلامي، الشيخ هاشم منقارة، أنّ المعارضة مقدمة على مرحلة تنظيم صفوفها وتنسيقها «من خلال وثيقة سياسية تجمع كل القوى المعارِضة»، تطرق في عناوينها الرئيسية قضايا المقاومة وعروبة لبنان واتّفاق الطائف، إضافةً إلى تفاصيل سياسية أخرى لم تُبَتّ حتى اليوم. وفي المرحلة المقبلة أيضاً، بحسب منقارة، سيكون لدى المعارضين مهمّة الانفتاح على الدول العربية والإسلامية، «دون أن يكون لنا فيتو على أحد، إلا إذا رفضت أي حكومة استقبالنا».