الخير ينفي حصول انشقاقات ويحذّر من اللعب بـ«الخصوصيّات العائليّة»عبد الكافي الصمدأعطى إعلان انشقاق 30 شخصاً عن رئيس «المركز الوطني للعمل الاجتماعي» في المنية، كمال الخير، يوم أول من أمس، انطباعاً أنّ قوى المعارضة السنّية في الشّمال تواجه أزمتين: الأولى، سعي «المستقبل» إلى تفتيتها. والأخرى، عدم انضباط صفوفها، وانفلاشها بطريقة تسهّل استهدافها
«المستقبل» ينقل تصدُّع المعارضة إلى المنية
ومع أنّ قوى المعارضة السنّية الشمالية لم تسع إلى ممارسة أسلوب الاحتواء والاستمالة في مواجهة المستقبل، لقصور منها ترافق مع غياب أيّ خطة عمل موحدة، أو لاعتبارها أنّ هذه الأمور ليست أولويات ملحّة لها حالياً، فإنّ المستقبل لم يوفر فرصة للنيل من هذه القوى أمام «الجمهور السنّي»، ومحاولة ضعضعة أركانها. وما حصل مع جبهة العمل الإسلامي في الشمال آخر دليل على ذلك.
وجاءت هجمة المستقبل على المعارضة السنّية في الشمال بعد تحرك ميداني وشعبي لهذه القوى في مناسبات عدة، وحضور سياسي وإعلامي جعل مسؤولي التيار في الشمال، ومن وراءهم في بيروت، يستشعرون خطر سحب البساط من تحت أقدامهم، في منطقة عدّها الخزان البشري الرئيسي له وأسهمت في انتخابات 2005 بإعطاء الأكثرية النيابية الحالية كفتها المرجّحة، بعدما صبّت أصواتها في صناديق الاقتراع «زي ما هيي»، فكان شعارهم في الذود عن مواقعهم أن «أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم».
فبعد المحاولات المتعددة لاستهداف جبهة العمل، وما يشاع عن تحضيرات للإعلان عن انشقاق آخر كبير في صفوف الجبهة سيكون ضربة قاصمة لها، جاء ما حصل في المنية ليطرح تساؤلات عن حقيقة الموضوع.
وإذا كان بعض المراقبين للأوضاع في المنية يؤكدون أن «ثمّة تغييرات في المزاج الشعبي والولاء السياسي قد طرأ عليها، لناحية إحراز قوى المعارضة فيها تقدماً على حساب المستقبل، فإنّ ما أقدم عليه محمد خضر المصري من إعلان انشقاقه و30 من رفاقه عن الخير، أعطى صورة عن حجم الصراع في المنطقة، الذي يعلن الجميع رفضهم تخطيه إلى حدّ التصادم المباشر، نظراً إلى الحساسيات العائلية.
ويلفت المراقبون إلى أنّ «ما أقدم عليه المصري كان خطوة أعدّ لها المستقبل للردّ على الخير، الذي استمال منذ فترة رئيس «رابطة مشجّعي نادي الأنصار في المنية» زكي وهبي، إثر انفصاله عن «المستقبل»، قبل عودته إلى التيار بعد اتصالات أجريت معه، وعقب المهرجان الذي أقامه في 16 آذار الماضي في المنية لمناسبة الذكرى الـ30 لاعتقال ابن المنطقة يحيى سكاف في السجون الإسرائيلية، والذي عُدّ بمثابة تحدّ علني ومباشر للمستقبل في المنية، حيث حضره ممثلون عن حزب الله وسائر قوى المعارضة في الشمال، ونقل على الهواء مباشرة عبر تلفزيون «المنار».
في موازاة ذلك، لفتت أوساط مطلعة إلى أن «انتقادات عديدة وجهها مسؤولون في المستقبل في بيروت إلى مسؤولي التيار في المنية، نتيجة تراخيهم في تأدية أدوارهم كما يجب، رغم إطلاقهم اسم «مدينة الرئيس الشهيد رفيق الحريري» على المنية، في موازاة معلومات عن أن الخير يعمل على استمالة شبان من المنطقة وتسليحهم وتدريبهم بدعم مباشر من حزب الله، وتعليقهم صوره مع الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله في المنية، ما جعل أهلها يخشون جانبه، فضلاً عن استناده إلى إرث سياسي عائلي جعله يثبّت قدميه فيها».
في ظلّ هذه الأجواء، أطل المصري بانشقاقه، وإنشاء «هيئة العمل الوطني في المنية»، معلناً رفضه «للممارسات السلبية الخطيرة التي شهدتها المنية تحت مسمّيات كثيرة، منها ما يتلطّى بالمقاومة، ومنها ما يختبئ وراء العمل الوطني والاجتماعي، أو يتوارى خلف شعارات إسلامية تضيع في بورصة المتاجرين بالإسلام والمسلمين»، مشيراً إلى «تحوّل عمل مجموعات المعارضة إلى وسيلة تجميع في الوسط السنّي لمصلحة حزب الله ومشروعه السياسي والأمني»، وأنهم «أوقعوا شبابنا في فخ وخديعة عندما طلبوا منّا المشاركة في اعتصام المعارضة في وسط بيروت. وبدل التخييم في العاصمة، وضع أمن حزب الله شباب المنية المشاركين في سيارات بيك آب مغطاة ونقلهم إلى منطقة البقاع حيث معسكرات التدريب. لقد بلغ عدد الشباب المشاركين في تلك الدورة من المنية والمحمّرة 42 شخصاً».
إلا أن أحد المقرّبين من الخير أوضح لـ«الأخبار» أنّ المصري «غير منتسب لنا رسمياً، وليس من أنصارنا حتى يدّعي أنه انشق عنا، ولم يزرنا في المركز، على عكس غالبية أفراد عائلته. ولكن يبدو أنّ هناك من يريد نقل ما أرادوا تصويره من انشقاقات جبهة العمل الاسلامي إلى المنية، غير أنّهم لم ولن ينجحوا في ذلك، لأنّ الوضع مختلف عندنا، وله خصوصياته العائلية التي سيغرقون في وحولها إذا حاولوا اللعب على تناقضاتها. كما أنّ الضجة التي أثيرت بشأن الموضوع مضخّمة، وجرى إخراجها بشكل سيّىء، ما يدل على حرج مسؤولي التيار في المنطقة وتراجع حضورهم ونفوذهم».
وأشار المصدر إلى أنّ «معلومات توافرت لدينا منذ أسبوع، عن أنّ هناك من يُعدّ العدة لهذا الأمر، كما حصل من خلال إنشائهم لجنة وهمية باسم الأسير سكاف، بغية إرضاء جهات سياسية وأمنية ومالية عليا في بيروت، وتصوير الوضع أنّه تهشيم للمعارضة السنّية في الشمال، بعد تراجع أعداد المشاركين الشماليين في ذكرى 14 شباط، ولتشجيع آخرين على خطوة مماثلة، بعد إغرائهم بالمال».
وفي حين استبعد المصدر أن «يُقدموا على خطوات أخرى مشابهة»، فإنّه حذّرهم من أنهم بذلك «يدخلون عائلات المنية في دوامة من التجاذبات لن تعود عليهم بالنفع»، مؤكداً أنهم «لن يتمكنوا من اختراق الحلقة المحيطة بكمال الخير، ولا بقوى المعارضة الأخرى، رغم الضغوط التي يمارسونها».
وعن مشاركة شبان من المنية في تدريبات تابعة لـ«حزب الله» في البقاع، أعلن المصدر أنه «نعتز بأننا جزء من سرايا المقاومة اللبنانية، لكنّ علي المصري لم يحظ قط بهذا الشرف».


ولاءات المنية
عُرفت المنية مثل باقي المناطق الريفية بتقديم أبنائها ولاءاتهم العائلية والعشائرية على الولاءات الأخرى.
وكانت أصواتهم تُوزّع انتخابياً مثالثة بين مرشحي عائلات علم الدين والخير وطبّو، إلى أن جاءت الانتخابات الأخيرة لتنسف هذه المعادلة، ولتنال لائحة المستقبل وحلفائه نحو 70 في المئة من أصواتها.
وإذا كان الانقسام السياسي في المنية اليوم قد شقّها نصفين: موالاة (المستقبل)، ومعارضة (المركز الوطني للعمل الاجتماعي، اللقاء التضامني الوطني، ولجنة الأسير سكاف)، فإن الولاء العائلي فيها لم يتراجع، بل عاد الآن محور اتصالات الفاعليات السياسية فيها، وبوابة عبور القوى السياسية المختلفة إليها.