149;الموالاة بدأت حملة «استباقيّة»: لتحقيق شامل يكشف «المحرِّضين» على التظاهر بين ردود الفعل على تقرير «فينوغراد»، وانتظار نتائج التحقيق في أحداث الأحد، تفحمت ثمانينية من حريق ناتج من شمعة، ومات رجل من البرد، وتراشق شبان بالحجارة في بيروت، واستمرت الاحتجاجات المتنقلة على انقطاع الكهرباء

فيما يستعدُّ أهالي الضاحية للاحتفال التأبيني الذي يقام لضحايا الأحد الدموي، غداً في روضة الشهيدين، وتتواصل الدعوات إلى تحقيق شفّاف، مع تأكيد قيادة الجيش على الجدية والسرعة، أطلقت الموالاة حملة جديدة ظاهرها رفض «المس» بالجيش وباطنها تحويل الأنظار عن النتيجة إلى «الأسباب».

تحرّكات قيادة الجيش ومواقف المعارضة

فقد زار وفد من قيادة الجيش برئاسة رئيس الأركان اللواء الركن شوقي المصري، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، في حضور المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، معزياً بالشهداء. وأكد المصري باسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان «جدية التحقيق وشفافيته، وإنجازه بأسرع وقت ممكن، لتبيان الحقيقة، وتحديد المسؤوليات، واتخاذ الإجراءات المناسبة، وحرص الجيش على أمن المواطنين وسلامتهم، واستعداده لتقديم أي تضحية في سبيل ذلك». ولفت قبلان إلى أن نتائج التحقيق هي «وحدها التي تكفل تخفيف الاحتقان في الشارع»، مجدداً الدعم للمؤسسة العسكرية «التي عودت اللبنانيين باستمرار على تبيان الحقائق».
وإذ التقى مسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» نواف الموسوي، سفير الجزائر إبراهيم بن عودة حاصي، وعرض له ما حصل الأحد الفائت، مشدداً على «مصيرية التحقيق الشفاف والسريع»، أكد عضو المجلس السياسي في الحزب غالب أبو زينب عدم علاقة التحقيق بترشيح سليمان إلى رئاسة الجمهورية. وقال إن «النظرة إلى الجيش الذي يقف إلى جانب جميع اللبنانيين، لها علاقة باستكمال التحقيق حتى النهاية، وإلا فسيكون هناك علامات استفهام كبيرة، وتضيع الأمور». واتهم الموالاة بالتحريض لدفع الجيش إلى أن يكون طرفاً.
كذلك شدد النائب علي عسيران على تحقيق «شفاف وصادق لدرء الأخطار المحيطة بالجيش والوطن». ورأى النائب علي خريس «ضرورة جلاء الحقيقة، حتى لا تبقى يد الإجرام والفتنة تعبث بهذا الوطن، لأن البعض في لبنان يحاول ارتداء قناع الوطنية واللبنانية لتغطية الوجوه الإجرامية المكشوفة من خلال تاريخهم الأسود».
ورأى رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، في عشاء أقيم في قصر الرئيس الراحل سليمان فرنجية، أنه «لولا وعي قيادتي حركة «أمل» و«حزب الله» لكانت قد وقعت الفتنة، وهذه قد تكون البداية، لأن الذي يخطط لوقوع الفتنة سيسعى إلى محاولات أخرى هنا وهناك». ودعا إلى الوعي واليقظة، وخصوصاً في «المناطق المختلطة طائفياً، وربما بين زغرتا وطرابلس».
وقال: «حالياً في المناطق المسيحية، كما رأينا بالأمس في عين الرمانة، هناك أناس لهم مصلحة في حصول خلاف مسيحي ـــــ شيعي ليقوموا بنوع من التعبئة المسيحية ضد الشيعة ويلتف المسيحيون حول من يدعي أنه المدافع الأول عنهم». وإذ دعا إلى تحاشي الحرب، أردف: «إذا وصلنا إليها نكون وقعنا في شرّ لا بد منه، وساعتها نعرف كيف نتعاطى معها».

14 آذار: الجيش يتعرّض لحملة ظالمة

في المقابل، طالبت الأمانة العامة لقوى 14 آذار، بأن يكون التحقيق «شاملاً، وألا يقتصر على المؤسسة العسكرية وأفرادها وضباطها»، بل يتناول «ملابسات التحريض على التظاهر، وتوقيت النزول إلى الشارع أثناء انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب، في وقت ثبت فيه أن الكهرباء لم تكن مقطوعة، وأن يشمل الجهات الحزبية التي زودت بعض المتظاهرين بالإطارات، والمجموعات التي حاولت تطويق وحدات الجيش ونزع أسلحتها وغيرها من الممارسات الموثقة». ورأت أن «من المستغرب الربط بين نتائج التحقيق ومستقبل النظام في لبنان، أو بين نتائج التحقيق ومصير المبادرة العربية».
وهو الموقف نفسه الذي أعلنته الوزيرة نائلة معوض، بعد لقائها مدير دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإيطالية سيزار راغاغليني، إذ طالبت بـ«كشف كل الخلفيات والأبعاد الحقيقية لما حصل من تجمعات أدت إلى أعمال الشغب والتعدي على الجيش والممتلكات العامة والخاصة، وعلى حرية المواطنين في التنقل والانتقال (...) وصولاً إلى كشف هوية الجهة أو الجهات المنظمة والمحرضة والمدبرة».
ورأى النائب عاطف مجدلاني أن الجيش يتعرض لـ«حملة ظالمة» تهدف إلى «الوصول إلى الفراغ في هذه المؤسسة الحاضنة والضامنة لهالة الدولة وهيبتها لمصحلة الدويلة». وقال: «بدأنا نشعر بمحاولات استغلال التحقيق للوصول إلى مآرب لا علاقة لها بكشف الحقائق، بل تهدف إلى النيل من صدقية الجيش وهيبته».
وكان راغاغليني، قد زار أمس الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة والوزير المستقيل محمد فنيش وقائد الجيش. وقدم لفنيش تعازيه، معرباً عن أسفه لسقوط هذا العدد من الضحايا. وأكد «دعم بلاده للمبادرة العربية».
وعلى صعيد المبادرة، كشف النائب إبراهيم كنعان، أن النائب ميشال عون «لم يضع شروطاً» لاستئنافها. وقال إن «المطلوب الآن توافر الإرادة لدى السلطة بتحقيق توافق داخلي». وجدد الاستعداد «لمتابعة الحوار، والأفضل أن يكون المناخ الملائم متوافراً، ويكون الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى حاضراً».
لكن رئيس الهيئة التنفيذية لحزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، اتهم المعارضة بأنها «تسعى إلى تقويض المؤسسات الدستورية للوصول إلى الفراغ، وهذا أمر لن نسمح به إطلاقاً»، وأعلن التمسك «بالحكومة رغم الثغر التي تشوبها، وسنبذل كل الجهود لانتخاب رئيس جديد». وقال إن «مصر والسعودية والإمارات والكويت والأردن والخليج تؤيد 14 آذار، فيما سوريا تدعم 8 آذار».
ورأى عضو المجلس السياسي في «حزب الله» محمود قماطي أن زيارة جعجع للسنيورة «محاولة لتغطية عناصره في ما ارتكبوه»، مطالباً بإعادته «إلى السجن، لأنه يعمل على تحريض اللبنانيين على القتل وإثارة الفتنة وإشعال حرب أهلية، وهي جرائم يعاقب عليها القانون».

فينوغراد... تقرير تاريخي وبراءة للموالاة!

وأمس، تواصلت ردود الفعل على تقرير لجنة «فينوغراد»، وأبرزها من الرئيس إميل لحود الذي رأى أنه «دحض مقولة البعض في لبنان بأن إسرائيل لم تهزم في حرب تموز»، ولفت إلى «أن أبرز عناصر قوة لبنان تكمن في بقاء الجيش الوطني والمقاومة الوطنية جنباً إلى جنب، وأن من مصلحة إسرائيل إحداث شرخ بينهما»، وأن قيادة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله للمقاومة «أسهمت في الانتصار الباهر للبنان على إسرائيل».
واستغرب الرئيس سليم الحص أن لا يلقى التقرير «الصدى الذي كان متوقعاً بين المسؤولين العرب، لم نسمع من أي منهم ما ينم عن تقدير لما كان لتلك الحرب من أثر على ميزان القوى بين العرب والعدو الصهيوني». وتطرق إلى «أحداث الأحد الأسود»، مشيراً إلى أنه لا يمكن تجاوزها «إلا بإجراء تحقيق عادل وشفاف، وإعلان نتائجه، والمطمئن أن قيادة الجيش مهتمة جدياً في هذا الشأن، والمؤشرات تبدو هذه اللحظة مشجعة».
وإذ دعا العلامة السيد محمد حسين فضل الله، اللبنانيين جميعاً إلى اعتبار نصر تموز «لهم جميعاً»، استغرب كيف «أن بعض المواقع الدينية والسياسية المسيحية التي كانت ترفض الحديث عن الديموقراطية العددية وعن الاستفتاء الشعبي لانتخاب رئيس الجمهورية لإخلاله بالتوازن الطائفي بدأت تتحدث في أجواء الأزمة عن الأكثرية والأقلية». ورأى أن «الرصاص الأمني والعسكري هو جزء من الرصاص السياسي».
ورغم أن لجنة فينوغراد أشارت إلى وجود تقرير سري يتضمن أموراً «من الممنوع نشرها، لأنها يمكن أن تضر بأمن الدولة أو بعلاقاتها الخارجية»، فإن النائب وليد جنبلاط رأى أن التقرير العلني «جاء ليسقط كل الاتهامات السابقة التي تحدثت عن تواطؤ أطراف لبنانية مع العدو الإسرائيلي أثناء الحرب»، مكرراً سؤاله: «لمن يهدي حزب الله الانتصار الذي تحقق؟». ودعا على صعيد أحداث الأحد إلى «إعطاء المجال للجيش للقيام بالتحقيق الجدي بعيداً عن الضغوط وسياسة التهويل».
إلى ذلك، اتصل السنيورة بعون مطمئناً إلى صحته، وترأس اجتماعاً وزارياً بحث نتائج العاصفة وانقطاع الكهرباء، وأحداث «الأحد المشؤوم» حيث شدّد المجتمعون على «ضرورة تفادي مثل هذه الأحداث، والإحجام عن الشحن المستمر وإثارة النعرات». وأكّدوا دعم الجيش و«أن المشاكل الاجتماعية والحياتية لا يمكن استعمالها في مسألة الاختلاف السياسي». كذلك بحثوا زيارة موسى إلى بيروت «لإعادة إطلاق المبادرة العربية وإفساح المجال أمام تحصين المناخات المؤاتية لانتخاب رئيس جديد للبنان قبل 11 شباط».