strong> ليال حداد
كانت سهرة عيد ميلادها، حضر مع أحد أصدقائها، تعرّفت إليه، أحبّته، ثمّ علمت أنه فلسطيني. لم تهتمّ سهير بالموضوع، فبلدها الأمّ لن يعزلها ويحاصرها لمجرّد أنها قررت الزواج بـ«أجنبي». تزوّجا وقرّرا إنشاء عائلة. حتّى الآن تبدو قصّة سهير وطارق مثالية. إلا أن قرار إنجاب الأولاد أخرج إلى السطح كل ما يختزنه القانون اللبناني من عنصرية وتمييز تجاه نسائه. فأولاد سهير حملوا بطاقة اللاجئين الفلسطينيين الزرقاء، رغم أنهم يعيشون في بلد والدتهم الأم، ومنعوا من أبسط حقوقهم بحجة «المحافظة على حقّ العودة ومنعاً للتوطين».
تبلغ سهير اليوم الخمسين من عمرها، تخرّج أولادها الثلاثة من الجامعة ولا يزالون حتى الساعة يبحثون عن آلية قانونية للعمل في قطاعي المحاسبة والهندسة.
الواقع الذي تعيشه سهير وعائلتها، يعكس إجحاف قانون الجنسية اللبناني الذي يمنع على الأم المتزوجة من «أجنبي» منح جنسيّتها لأولادها، فيما يعطي الحقّ الكامل للرجل المتزوّج من أجنبية منح جنسيّته لزوجته وأولاده.
هذا هو لبنان إذاً. لبنان الذي يتغنّى سياسيّوه صباحاً ومساءً بانفتاحه وتقدّمه على محيطه، هو في الواقع «مجتمع ذكوري معقّد ومتخلّف يتحكّم بمصير المرأة وينزع عنها حق العدالة والشراكة والمساواة والإنسانية»، حسبما أعلنت نائبة رئيسة المجلس النسائي اللبناني إقبال الشايب في المؤتمر الصحافي الذي نظّمته حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي»، أمس لمناسبة 1 شباط الذي كرس يوماً للمرأة العربية.
أجرت الحملة أمس «جردة حساب»، فانتقدت الأخطاء التي منعت إقرار قانون جنسية عادل، ووضعت خطة العمل لهذه السنة: الاهتمام بالشق ّالقانوني للموضوع، إعادة النظر باستراتيجية العمل، الحرص على التواصل مع الإعلام، والتركيز على الشقّ المطلبي من خلال التعاطي المباشر مع النواب.
في هذا الإطار تشير منسقة الحملة لينا أبو حبيب إلى أن الكتلة النيابية الواحدة فيها اختلاف بالرأي في الموضوع، «وبالتالي فإن الموضوع ليس سياسياً بقدر ما هو قناعة شخصية».
وذكّرت الحملة بالإنجازات التي حقّقتها النساء في المغرب والجزائر ومصر، حيث أقرّ قانون الجنسية، وإن بتفاوت. في مصر حصلت المرأة على حقّها بمنح جنسيّـتها لأولادها، لكن ليس لزوجها، وفي المغرب استطاعت المرأة أيضاً أن تنال حقها في منح جنسيّتها لأولادها ولزوجها، لكن شرط أن يسكن خمس سنوات متتالية في البلد. أما في الجزائر التي أصبحت «مفخرة المناضلات» من أجل قانون جنسية عادل، فانتزعت النساء حقهن الكامل بإعطاء الجنسية للرجل والأولاد.
كما عرضت رئيسة التجمّع النسائي الديموقراطي اللبناني وداد شختورة المذكرة المطلبية المقدمة من الهيئات الأهلية المعنية بقضايا النساء في لبنان إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة التي انعقدت في جنيف في الواحد والعشرين من الشهر الماضي.
وطالبت المذكرة بإصدار قانون جديد للجنسية، وفقاً لاتفاق الطائف، ينص على أنه «يعدّ لبنانياً من ولد لأب لبناني أو أم لبنانية». كما أصرّت المذكرة على ضرورة وجود إرادة سياسية جدية «تلتزم بجدية قضايا المواطنين والمواطنات»، إضافة إلى رفع التحفّظ عن البنود الواردة في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ولا سيما البند 2 من المادة 9.
ولم تنس شختورة التذكير بأن «فزاعة التوطين» هي حجة واهية، وأن السبب وراء رفض تطبيق قانون جديد، هو ديموغرافي وطائفي، ولا سيّما أن عدد اللبنانيات المتزوجات من فلسطينيين لا يتجاوز 1% من عدد النساء المتزوجات من أجانب، حسب الإحصاءات الرسمية.
وأعقب المؤتمرَ نقاشٌ بين الحاضرات والحاضرين، لم يخل من بعض التعليقات المتناقضة. فعرضت إحدى الناشطات مكافحة التمييز ضد المرأة بتطبيق قانون جنسية عادل على النساء المتزوجات من أجانب «باستثناء المتزوجات من فلسطيني، وبهذه الطريقة نلغي الحجة التي يعتمدها من يقف في وجه إقرار القانون». إلا أنه غاب عن بال «الناشطة» أنها بهذه الطريقة تكرّس التمييز اللاحق بالفلسطينيين وتنقض كل ما تدافع عنه حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي».