بعلبك ـ علي يزبك
يمضي صلاح محمد جمال الدين معظم وقته في ورشة تصليح السيارات التي يملكها شقيقه، محاولًا أن يثبت للجميع أن الشلل الذي أصابه لن يمنعه من أن يمارس عملًا بعدما تغلب على هذا المرض الذي أصابه وهو طفل صغير.
«الجلوس على الكرسي المتحرك لا يعني التقوقع والابتعاد عن الناس، إذ علينا العيش طبيعياً، والتكيف طبعاً مع ما ألمّ بنا» وفق تعبير صلاح الذي يضيف: «لا أذكر من طفولتي إلا الألم والمعاناة من الشلل النصفي. جانبي الأيسر من اليد إلى القدم معطل كلياً حيث لم تنجح كل محاولات العلاج وزيارات الأطباء». يتابع: «قبل نحو عشرين عاماً أدخلني والدي إلى معهد لذوي الاحتياجات الخاصة في الأوزاعي للتدرب على مهنة النجارة وقضيت هناك نحو سنتين، لكن الظروف الأمنية التي مر بها لبنان أجبرتني على ترك المعهد والعودة إلى بعلبك. الجلوس في المنزل قاتل، فقررت أن آتي إلى ورشة الميكانيك حيث تعلمت المهنة، وها أنا أحضر يومياً عند الثامنة صباحاً، ولا أغادر إلا في آخر النهار».
ينفّذ صلاح المهام السهلة مثل فكّ البراغي الظاهرة والاستعلامات عند غياب شقيقه وإعطاء المواعيد، وفي نهاية النهار ترتيب ما أمكن من العدّة المستعملة.
يستطيع صلاح أن ينزل عن كرسيه الكهربائي المتحرك بسهولة مستخدماً الجزء السليم من جسمه ويده اليمنى بالتحديد. ويؤكد أن هذا الكرسي الذي قدمه له أحد المغتربين من المدينة منذ خمسة عشر عاماً، يساعده كثيراً على الذهاب من وإلى المنزل، وزيارة الأقارب في المحيط بدون مساعدة من أحد.
يتحدث صلاح بسخط عن وزارة الشؤون الاجتماعية التي لم تساعده في شيء على مدى السنوات الماضية، وله نظرة خاصة في هذا المجال، حيث يقول إن على الدولة أن ترعانا وتساعدنا كما تفعل الدول الغربية مع ذوي الاحتياجات الخاصة، فتسهّل لهم سبل الدمج في المجتمع، أما عندنا فليس هناك سوى الشعارات.
قدمت وزارة الشؤون الاجتماعية كرسياً متحركاً لصلاح، لكنه انكسر بعد وقت قصير من استعماله. أما البطاقة التي أصدرتها فلا تعدو كونها سجلًّا إحصائياً ولا تعطي صاحبها أي امتيازات أو حوافز.
أما شقيقه أسامة صاحب ورشة الميكانيك، فيؤكد أنه أتاح مجال العمل لصلاح بعدما رأى إصراره واندفاعه القوي لتعلم هذه المهنة، وهو لا يتغيب أبداً عن العمل.
ويؤكد الوالد الستيني أنه لم يرغب بداية في أن يعمل صلاح في الورشة لأنه يخاف عليه من هذه المهنة الشاقة، ويرقّ قلبه لحاله كلما رأى ثوبه المليء بالشحم والزيوت. لكنه وافق بعد إصرار صلاح.
ويختم الوالد «السعادة التي أراها في عينيه وهو في الورشة تجعلني أشعر بمدى أهمية العمل بالنسبة له في بناء شخصيته والتخلص من العزلة والشعور بالنقص».