صيدا ــ خالد الغربي
«يوم عسل وشهر بصل». هكذا يختصر صيادو الأسماك في صيدا موسمهم الشتوي، وهو مثال قد يعمم على باقي فصول السنة. لكن ما إن وضعت العاصفة الثلجية أوزارها وبدأت بالانحسار النسبي حتى سارع الصيادون في المدينة، شأن أترابهم في المناطق الأخرى، إلى إطلاق العنان لفلكهم و«المبطنات» لكي تمخر عباب البحر في رحلة البحث عن الرزق وحصاد الغلة التي سيجود عليهم بها باطن البحر.
غلة ما بعد العاصفة ...تفاوتت ما بين صياد وآخر. «الرزق على الله» يقول أبو سمير القرص أحد الرياس من الحرس القديم. «الحمد الله توفّقت، ليش بدي إكذب، إجاني قرشين مناح» ، وآخرون حظوا بأنواع متنوعة منها كلاب البحر وسمكة «بقرة» و«الغزلان» بقدّها الممشوق و«البلاميدا» وأحجام وأنواع أخرى، ومنها ما هو مؤذ كـ«رعاد» التي تخزن طاقة كهربائية قوية قد تقتل لامسها، وهي عادة ما ترمى وقد علقت بشباك أحدهم، فخاطبها بالقول: «هلّق إنت اللي طلعتي». وبعضهم كانت رزقته محدودة، ولا يخلو الأمر من نفايات قد علقت في شباك معظمهم بكميات مقبولة.
في ميناء الصيادين حيث قوافل المراكب العائدة، تسمع لغة الصيادين الخاصة التي قد لا يفهمها كثيرون مثل البحر «غلينة»، و«ولا لأة» ( لا حراك، أي المياه ساكنة)، وتعبيرات أخرى تبقى جميعها بكفة والقول: «بسة (قطة) عم تاكل علكة» بكفة أخرى. وبعد تمحيص، يتبين أن عشرات القطط تنتظر على الرصيف لنيل «وجبتها» من السمك الطازج الذي عادة ما يرميه الصيادون لاعتبارات مختلفة. وصادف أن إحداها راحت تمضخ نوعاً من قشور السمك بعدما حظيت بسمكة «دسمة»، وبدت القشرة كالعلكة التي يمضغها الناس لدى أكلهم نوعاً معيناً من المأكولات ذات الرائحة. وكالنظام الكوني حيث القوي يأكل الضعيف، فإن الهررة راحت تتسابق على خطف السمك المنثور، مع تفوّق القوية منها حارمة الضعفاء «بخبز يومهم».
لم يتأخر الصيادون عن العودة من رحلة صيد حرمتهم منها العاصفة لمدة أيام، لكن سليم رازيان (الشامي) يبحر على متن «سنبكه» نادر، قد تخلّف عن العودة الليلية واللحاق بزملائه، وبدأت رحلة البحث عنه ليتبين أنه كان قد غادر المرفأ عند التاسعة والنصف ليلاً ليقوم بـ«نقع» الشباك (نصب شرك) جنوبي المدينة، وهي بحاجة إلى ساعة ونصف. لكن عطلاً قد طرأ على محرّكه، فأبعده الموج إلى الأعماق، وبات ليلته تحت رحمة القدر. وأبلغ ذووه المعنيين، وبدأ طرّادان للدفاع المدني، بالتنسيق مع الجيش، بحثاً عنه، حتى عُثر عليه بعد أكثر من 12 ساعة قضاها في عمق البحر، ونال فور عودته نصائح أشبه باللوم من صيادين آخرين، «ما معاك مجاديف، والمرسي مش طويلة؟..شو بدك بهالشغلة، انقطع قلبنا عليك».
ولأن البحر ولّاد، فإنه قد لفظ من أعماقه مئات الإطارات المطاطية، وقد علّق أحد الظرفاء بالقول ربما أدرك البحر حركات الاحتجاج في لبنان وما يجري من قطع للطرق، فطرح بضاعته للمساهمة. «قولك البحر مع المعارضة أو الموالاة».