طارق ترشيشي
ليس هناك في الأفق ما يشير إلى أن مهمة الأمين العام لجامعة الدول العربية في زيارته المنتظرة الأسبوع المقبل إلى بيروت سيكتب لها النجاح، وجلسة انتخابات الرئاسة المقررة في 11 من الجاري تواجه المصير الذي لاقته سابقاتها، وهو التأجيل مجدداً، ما يعني أن المبادرة العربية أوشكت على الفشل بعد ذلك الذي أصاب المبادرة الفرنسية، والسبب هو ذلك الموقف الأميركي الغامض الذي «يُعطي من طرف اللسان حلاوة ثم يروغ كما يروغ الثعلب»...
كانت المبادرة الفرنسية قد انطلقت إثر القمّة الرئاسيّة الأميركية ـــــ الفرنسية الشهيرة مطلع تشرين الثاني الماضي، وجاء الموقف الأميركي المؤيد لها وفق مقولة: «أيها الفرنسيون اذهبوا وجرّبوا حظكم». وقيل يومها إن الإدارة الأميركية فوّضت الفرنسيين بذل جهود علّها تقرّب بين المتباعدين، أي الموالاة والمعارضة، ولكن ما إن وصل وزير الخارجية الفرنسي إلى بيروت وجال بين الفريقين حتى راح السفير الأميركي في بيروت (الذي انتهت مهمته في بيروت أخيراً) يعاكس هذا التحرك الفرنسي حتى أحبطه.
أما المبادرة العربية التي انطلقت بعد تلاقٍ بين الموالاة والمعارضة على ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان «رئيساً توافقياً» فإنها لم تحظ بأي تأييد أميركي، حتى على المستوى اللفظي، إذ لم يصدر أي موقف عن البيت الأبيض أو أي مسؤول في وزارة الخارجية، وصولاً إلى السفير في بيروت، يؤيد هذه المبادرة أو يأتي على ذكرها، وكل ما صدر هو موقف يكرر الإعراب عن الدعم والتأييد لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة «المنتخبة ديموقراطياً» (حسب التوصيف الأميركي).
ولذا، فإن كل المعطيات والمؤشرات تدل على أن المبادرة العربية التي تعثّرت في جولتها الأولى بالتفسيرات والتفسيرات المضادة التي أعطيت لها داخلياً وعربياً، بدأ نجمها يميل نحو الأفول، في ظل معلومات تشير إلى احتمال انطلاق مبادرة جديدة «فرنكو ـــــ عربية» في الأسابيع القليلة المقبلة، قد تكون محاولة جديدة لإحداث ثغرة في جدار الأزمة اللبنانية المسدود. وتتزامن هذه المعلومات مع توقعات بأن ترتفع وتيرة هذه الأزمة لتفرض «اتفاق طائف» جديداً يبدأ عربياً ـــــ عربياً وينتهي لبنانياً ـــــ لبنانياً، وهذا الطائف الجديد يفترض أن ترعاه المملكة العربية السعودية بعد أن يتم تطبيع العلاقة بينها وبين سوريا على حد قول أصحاب هذه التوقعات.
وفي هذا السياق، يكشف متابعون للتحرك العربي عن تشاور ضمني يجري حالياً بين اليمن والجزائر والسودان وقطر، قد تنضم إليه دول عربية أخرى من أجل تشكيل لجنة عربية تحضّر لانعقاد القمة العربية المقررة أواخر الشهر المقبل في دمشق، وذلك على قاعدة أنّ الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي وضع نفسه في موقع الطرف لم يعد في مقدوره التحضير لهذه القمّة، وأن في إمكان مثل هذه الدول التي هي خارج منظومتي دول الاعتدال والممانعة، القيام بهذه المهمة وهي ترى وجوب أن تنعقد القمة ولا يجوز أن يعطّل انعقادها خلاف بين دولتين تعدّان عربياً من الدرجة الأولى، وترى هذه الدول أيضاً أنه لا يجوز لهذا الخلاف، والمقصود به الخلاف السوري ـــــ السعودي أن يعطّل العمل العربي المشترك الذي تفرض الأوضاع العربية والدولية أن يكون في أوج قوته.
وتعتقد هذه الدول الأربع أن من الصعب حصول تسوية في لبنان وانتخاب رئيس جديد إذا لم تنعقد القمة العربية، وخصوصاً في ضوء العقبات الكبيرة التي تواجه المبادرة العربية، والتي بات تبنّي هذا الفريق أو ذاك لبعض بنودها أقرب إلى المناورة، ولذا ترى هذه الدول أن المطلوب انعقاد القمة في موعدها الدوري لأنه يلزم أطراف الأزمة اللبنانية بالوصول إلى تسوية قبله، لأنها إذا لم تنعقد فهذا يعني أنهم لا يريدون الحل في لبنان.
ويكشف المتابعون للتحرك العربي أن تشكيل هذه اللجنة العربية سيسبقه «جسّ نبض» دمشق والرياض وذلك من خلال قيام بعض وزراء الخارجية العرب بزيارتهما، لأن مهمة هذه اللجنة هي توفير المخارج اللازمة للخلافات العربية ـــــ العربية تنعكس إيجاباً على الوضع اللبناني.
وفي هذا السياق، ثمّة مَن بدأ يستبعد عودة موسى إلى بيروت، وخصوصاً بعد المضاعفات التي أثارتها أحداث «الأحد الأسود» في الضاحية الجنوبية سواء حول ترشيح العماد سليمان أو على مستوى النزاع بين الموالاة والمعارضة، وهذه المضاعفات، يبدو أنها لن تزول قريباً على رغم ما كشفته التحقيقات في تلك الأحداث والتي ستستمر حتى تتم معاقبة كل الذين تسبّبوا بها.
وحسب المعلومات، فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري يتجه إلى أن يعلن الخميس المقبل تأجيل جلسة الانتخابات الرئاسية المقررة في 11 من الجاري إلى يوم الإثنين في الثالث من آذار، على أمل أن تساعد الفترة الباقية من شباط الجاري وتلك التي تسبق القمة العربية على بلورة حل لبناني تتوِّجه هذه القمة.