أنطون الخوري حرب
حفلت صدامات الشياح بإحاطة واسعة سياسياً وإعلامياً لمجريات وقائعها: حضور الجيش إلى تقاطع مار مخايل وسقوط ضحايا من المحتجين على انقطاع الكهرباء، ثم القنّاصون الذين قيل إنهم من عين الرمانة، ثم انسحاب الجيش من موقع التظاهرة فعودته إليها وسقوط عدد أكبر من الضحايا، وبعد ذلك إلقاء للقنابل وانتشار مسلّح قرب مستشفى الحياة، وما تلا من حرب كلامية بين المعارضة والسلطة، وتحرك لقيادة الجيش ومباشرة التحقيق مع الموقوفين العسكريين والمدنيين.
لكن ما لم يُركز، بل لم يُقل بعد، هو أن كل تلك الوقائع حصلت خلال تبديل القطع العسكرية في تلك المنطقة من ضمن عملية روتينية تجريها القيادة دورياً في معظم المناطق. ويترافق هذا التبديل عادة مع شبه استنفار للاستخبارات العسكرية من أجل تأمين شبكة أمان لحركة تنقّل القطع العسكرية. وهذا يعني التدقيق في الوضع الأمني لمناطق التبديل والانتشار، وخصوصاً المناطق الحساسة.
ويمثّل خط الشياح ـــــ عين الرمانة محوراً للتوتر طالما شهد احتكاكات واستفزازات منذ بداية التسعينيات. وإلماماً منه بهذا الوضع، اعتمد فرع الأمن القومي في مديرية المخابرات في الجيش ربط مركزه في الضاحية الجنوبية برئاسة الفرع مباشرة، مع تعليمات خاصة له ولمركز بدارو، وتأمين شبكة تنسيق بينه وبين حزب الله وحركة أمل، مما أرسى تعاوناً أمنياً مرضياً للقيادات السياسية والعسكرية على حد سواء.
وكان من المفترض أن يسبق وصول القطع العسكرية الجديدة إلى تلك المنطقة توفير تقارير وافية من فرعي الأمن العسكري والقومي لقيادة القطع المنتشرة حديثاً مع توجيهات خاصة للسلوك المطلوب.
لذلك، لا بد من طرح الأسئلة الآتية:
1ــــ أين كان المسؤولون عن مكتبَي الأمن القومي في الضاحية الجنوبية ورجالهما أثناء التبديل والتظاهر؟ ولا سيما أن المسؤولين عن المتظاهرين على معرفة وعلاقة جيدتين بهما وسبق أن تعاونوا معهما في تحركاتهم السابقة.
2ــــ أين كان تنسيق مركز الأمن العسكري الموجود في المنطقة مع القيادات العسكرية؟
3ــــ أين التعليمات الواضحة والخاصة للمكاتب الأمنية المنتشرة في المنطقة؟
4ــــ أين مطالبة قيادة المخابرات لهذه المكاتب بإفادتها عن الوضع الميداني أو السياسي في منطقة التبديل؟
5ــــ في حال وجود تنسيق واستعلام مسبَقَيْن، ما هي التعليمات التي أعطتها القيادة للأمنيين والعسكريين؟
6ــــ هل بقيت مديرية المخابرات خارج دائرة التحقيق؟
وأخيراً، هل يكون آمر سرية التدخل التي اشتبكت مع المتظاهرين وبعض رؤسائه، الوحيدين الذين سيعاقبون خلال محاكمة عسكرية تليها إجازة طويلة لهم من الخدمة؟
مما لا شك فيه أن مديرية المخابرات في الجيش ملزمة تقديم هذه الإجابات إلى الرأي العام وأهالي الضحايا، كما هي ملزمة تحمّل قسطها من المسؤولية عن الصدامات. فهل يكون التعامل مع اضطرابات الشياح الأخيرة احترافياً أم سيجري تحييد القيادة وحصر كبش الفداء بالعسكريين دون الأمنيين؟