strong>ديما شريف
لم يمتلئ قصر الأونيسكو في بيروت، إلا في قاعته الرئيسية، بالحضور في مهرجان ذكرى أسبوع مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الدكتور جورج حبش. لم يستطع حكيم الثورة أن يجمع في مماته كل التيارات السياسية في لبنان التي كانت تقف إلى جانبه سابقاً، فالمصالح والمراكز السياسية فرّقت رفاق الأمس.
اللافت كان الحضور الشبابي، فإضافة إلى من عرف حبش وناضل إلى جواره، كان العدد الأكبر لشباب لم يلتقوا حبش قط. هؤلاء رددوا الشعارات المؤيدة للحكيم وللوحدة الوطنية الفلسطينية كلما سنحت لهم الفرصة. «هيك علّمنا الحكيم» كان لسان حالهم. يحلمون بوحدة فلسطينية تجمع فتح، حماس، والشعبية على أرض الأجداد أو أقله في مخيمات الشتات.
خطباء المهرجان، من جهتهم، لم تغب عن كلماتهم الأوضاع السياسية الداخلية. فالنائب عبد المجيد صالح، ممثل الرئيس نبيه بري، رأى في كلمته أن المقصود كان خلق فتنة عسكرية ــــ مدنية الأحد قبل الماضي، بعد أن فشلت المساعي لخلق فتنة شيعية ــــ سنية وإسلامية ــــ مسيحية، هدفها القضاء على ترشيح العماد ميشال سليمان مرشحاً توافقياً، وإطاحة السلم الأهلي. كما أشاد صالح بحبش وتاريخه في النضال الشعبي والثوري والذي «لم يوجه البندقية سوى إلى صدر العدو، متجاوزاً أي تناقضات داخلية». ورأى أن حبش الذي كان يقول دائماً رداً على اتفاقيات السلام مع العدو إن الثورة الفلسطينية قامت لتحقق المستحيل لا الممكن، كان يجسد الانضباط الوطني. وتحدث عن الصراع الدائر في فلسطين اليوم، مشيراً إلى أن انشطار البيت الفلسطيني كارثة حقيقية على الوطن العربي.
ثم كانت كلمة للنائب السابق نجاح واكيم الذي تذكر لقاءاته بحبش، إبان الحرب الأهلية، في دمشق بعد أن غادر الحكيم بيروت مكرهاً، بناءً على نصيحة من مقربين ورفاق له ولم يستطع العودة. ورأى واكيم أن «الثوار المبدئيين غابوا وحضر الشطار الواقعيون، والباعة والدلالون والسماسرة، من كمب ديفيد إلى أنابوليس، وما بين هذا وذاك، أسواق تفتح على مزادات وأسواق تقفل على مناقصات».
وتحدث أيضاً رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو عن حصار غزة ومنع كل أسباب الحياة عن أهلها: الغذاء والدواء وفرص العمل، والماء والمحروقات واللوازم الطبية مع تكثيف الاغتيالات وأعمال التدمير، معتبراً ما يحصل «قتلاً مبرمجاً للشعب الفلسطيني، وهو ما كان يثقل قلب جورج حبش».
واستغل ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي المناسبة للتذكير بـ«الشرعية الفلسطينية التي تمثلها المنظمة في مقابل الانقلابيين من حماس في غزة». ولم ينس شكر الرئيس حسني مبارك على فتحه معبر رفح. وذكر بما كان يقوله حبش بعد الخروج من بيروت بأن الخلافات لا تعني تدمير المنجزات وتحديداً منظمة التحرير الفلسطينية.
وجاءت كلمة عضو المكتب السياسي في حزب الله حسن حدرج لتوجّه تحية من السيد حسن نصر الله ومجاهدي المقاومة الإسلامية إلى فلسطين الحزينة على الحكيم. وأعلن في بداية كلمته أنه لن يدافع عن حماس بعد كلمة زكي، وتحدث عن حبش المقاوم وعلاقته الشخصية به في فترة التسعينات. وانتقد اتفاق المعابر الذي رعته الشرعية الدولية في رفح، معتبراً أن هذه الشرعية هي التي أعطت الإسرائيليين الحق بفرض حصار أمني واقتصادي واجتماعي على مليون ونصف مليون فلسطيني.
أما الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الدكتور خالد حدادة فقد رأى أن الديموقراطية الحقيقية هي الديموقراطية الثورية التي نادى بها حبش، وهي مناقضة تماماً لديموقراطية المشروع الأميركي الموجّه إلى المنطقة العربية. وتحدث عن الوضع الداخلي اللبناني قائلاً إن «كل آذار فاتح بوقه» عبر المؤسسات الإعلامية التي يملكها الطرفان، مطالباً المعارضة برفض المشاركة مع الأكثرية ورفض النظام التحاصصي الذي أضاع انتصار تموز. كما أشار إلى أن تقرير فينوغراد جاء ليعلن «هزيمة المشروع الرسمي العربي دون استئذان».
وكانت في النهاية كلمة عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مروان عبد العال الذي أشاد بـ«القائد الثوري الذي علّم تلامذته النقد الذاتي سلاحاً للكشف عن الأخطاء وتصحيحها». وذكر كيف أن حبش كان منتشياً بنصر تموز، متسائلاً «إلى كم فينوغراد تحتاج حكومتنا؟». وركز عبد العال على ما كان يقوله حبش من أن الوحدة الوطنية هي في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وهي الأساس، وأن «أهم ناظم وحام لهذه الوحدة هو الإجماع الوطني. كما كان مؤمناً بأن المشروع الإمبريالي الصهيوني لا يمكن مجابهته إلا بمشروع تقدمي نهضوي عربي». وتطرق عبد العال إلى مفهوم الديموقراطية عند حبش «صانع القيادات» الذي استقال من قيادة الجبهة لترك المجال أمام الأجيال الشابة. وختم بالحديث عن حبش الإنسان «الذي كان والداً حنوناً مع الجميع، وقف مع المهجّرين من تل الزعتر والنبطية، وودع كل الشهداء بدموعه».