عبادة كسر
كثيرة هي المناظر الطبيعية الخلابة في قرية اليمونة البقاعية التي أصبحت ذكرى مطبوعة فقط على الصور الفوتوغرافية الخاصة بمزهر شريف (50 سنة)، الذي يعمل أيضاً على حماية الأشجار من خلال حفريات خاصة يجريها فيها

ذاكرة الحياة اليومية لقرية اليمونة البقاعية تحوّلت صوراً تحاكي الماضي الجميل، ومادة تثير الحسرة في نفوس أبناء القرية الذين يتذكرون البساطة والقيم الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك.
فمع غياب الخدمات الصحية والتربوية في القرية، ما دعا حوالى 60% من أهالي القرية للنزوح إلى بعلبك أو بيروت، باتت الصور التي التقطها الفتى مزهر رصيد الأهالي لاستعادة الأيام الماضية: الشلال، النسوة اللواتي يخبزن على التنور، حصاد القمح، الكهل المستلقي تحت شجرة السنديان العتيقة، بركة اليمونة، الطاحونة...
يذكر شريف أنه اقتنى كاميرا «أبيض وأسود» منذ الطفولة وبدأ التقاط الصور حيث كان يستغرق تحميضها أكثر من شهر. دفعه إلى هذه الهواية أحد المصوّرين من آل شمص يوم كان ينزل معه تحت «سيبة» الكاميرا الخشبية ويقبعان تحت «رقعة» قماش سوداء ليتمّ التحميض. احترف المهنة وبدأ يطوّر نفسه بمتابعة المجلات المختصة بفنون التصوير، تزامن ذلك مع مساعدة أهله في حصاد القمح والتفاح برفقة كاميرته التي أصبحت جزءاً من حياته. التحق مزهر شريف بقوى الأمن الداخلي لما بلغ الثامنة عشرة من العمر وظل محافظاً على هوايته. يقول: «كل ما جنيته صرفته على التصوير».
سحر الطبيعة أيقظ فيه حب اكتشاف ما هو غير مرئي داخل جذور الشجر وأغصانها، فانتقل إلى مراقبة الجذوع المريضة التي تتشكل فيها عقد تؤثّر على حياة وصحة الشجرة. وبادر إلى القيام بعمل خاص للحفاظ على البيئة والاهتمام بصحة الشجر. تراه يقطع الجذوع والأغصان المريضة، ويبدأ عملية التنقيب داخلها عبر متابعة ما تقوم به الحشرات من الديدان والسوس... ويكمل النخر حتى تغدو الجذوع والأغصان المريضة منحوتات سريالية تحكي كلّ واحدة منها مئة قصة وقصة.
يشرح شريف: «حفاظاً على صحة الثروة الحرجية أقضي وقتي متجوّلاً في القرية ومرتفعاتها وأقوم بـ«تشفية» الأغصان والجذور المريضة بغية الحفاظ على سلامة الشجرة. وحتى لا أشوّه معالم ما قطع منها أقوم بمتابعة خطة رسمتها الدودة أو السوس، وأبدأ بالنحت على النهج نفسه الذي بدأته الحشرات وأتوقف عند نهاية طريقها. وبذلك لم أتعدّ على ما تصنعه الطبيعة، ولم أستخدم الدخيل من التصاميم على مسيرة الطبيعة». يقوم شريف بطلاء منحوتاته بمادة الفرنيش للحفاظ عليها وقطع الهواء عن السوس المتغلغل داخلها حتى لا ينخرها. وهو شارك في الكثير من المعارض ولقيت منحوتاته أعجاب المهتمين.