إبراهيم الأمين
على أثر حوادث مار مخايل، تولّى أحد مساعدي رئيس المجلس النيابي نبيه بري مشاورة قادة في المعارضة بشأن طريقة التعامل مع طلبات متكررة وملحة للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى تخص معاودة نشاطه في بيروت. كان تقويم المعارضة غير إيجابي إزاء الزيارة الأولى لموسى، وكانت المعلومات الواردة من الاجتماع الوزاري العربي اللاحق، تشير إلى جمود من شأنه إضعاف المبادرة، وخصوصاً أن موسى لم يسحب تفسيره للبند الحكومي من المبادرة، بل على العكس، فهو رأى أن إضافة بند على المبادرة يطلب فيه من الجامعة السعي مع الأطراف لتفاهم على البند الثاني، نوعاً من التشجيع له على المضي في لعبة التفسيرات التي لم تؤدِّ غرضها.
ومع ذلك، فإنه ليس بمقدور المعارضة عدم الترحيب بموسى، ولا هي راغبة في ذلك أصلاً. لكن حوادث مار مخايل أتاحت لها عذراً لتأجيل عودته، فقيل له إن الأمور معقدة الآن، وهناك تطورات سلبية ناتجة من الجريمة البشعة بحق المتظاهرين، ولا بأس من انتظار أسبوع، ريثما يصار إلى قراءة نتائج التحقيقات، وهي النتائج التي باتت تهدّد التوافق القائم على البند الأول من المبادرة، الذي يدعو إلى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً توافقياً للجمهورية. ثم حصل أن برزت النتائج الأوّلية للتحقيق التي «نفّست» الاحتقان الشعبي والسياسي المتصل بالجريمة، وأفسحت في المجال أمام استئناف الاتصالات السياسية، ما جعل النقاش داخل المعارضة يتصل بالسؤال الأهم: ماذا سيضيف موسى في زيارته الجديدة؟
إذا كان الرئيس بري قد قال لموسى: «أهلاً وسهلاً بك ساعة تشاء»، فهو أضاف أن المعارضة لا تعارض استئناف الحوار على مستوى اللجنة التي جمعها موسى في المجلس النيابي. لكن بري سأل عما إذا كان في جعبة موسى جديد. وموقف رئيس المجلس لا يعبّر عن كل ما يدور من نقاشات لدى بقية أقطاب المعارضة، مثل العماد ميشال عون الذي يسأل صراحة: هل أجرى موسى تقويماً لآخر جولة؟ وهل لا يزال عند رأيه في ما خصّ معالجة البند الثاني في المبادرة؟ وإذا كان لا يريد رفع سقف المواجهة إلى أعلى، فإن المقرّبين منه يتحدثون بلغة أكثر وضوحاً: «علينا أن نقول لموسى صراحة، إذا كان موقفك من البند الحكومي في المبادرة هو نفسه الذي قلته باسمك الشخصي، وتبيّن أنه لا يمثل إجماع الوزراء العرب، فإن من المفيد القول إن مسعاك عرضة للانتكاسات، لأنه ينطلق من موقف منحاز إلى طرف دون الآخر».
إلا أن كل ذلك لا يلغي حقيقة أن جهات عدة في لبنان وخارجه لا تريد إعلان وفاة المبادرة العربية، لكن الأمر يظل رهن الخطوات الأخيرة، التي يفترض أن تبادر إليها العواصم المعنية. وأوردت مصادر مطلعة في هذا السياق الملاحظات الآتية:
1ــــ إن النقاش بشأن مضاعفات التحقيق في جريمة الشياح لم يتوصل بعد إلى خلاصات نهائية، بل على العكس، فإن سيل الأسئلة بشأن خلفية ما حصل سوف تظهر تباعاً، وخصوصاً من جانب قيادة «حزب الله»، الذي أطلق مسؤولون فيه أمس بعض هذه الأسئلة، من باب محاولة البحث عمن يقف خلف قرار استمرار إطلاق النار لعدة ساعات، وسبب عدم قمعه خلال وقت قصير.
2ـــــ إن فريق 14 آذار، بدا في الأونة الأخيرة أكثر تمسكاً بمواقفه منه في الفترة السابقة، حتى إن كبار قادة هذا الفريق تحدثوا صراحة عن أنه ليس لديهم ما يلزمهم التنازل، وأن فكرة الثلث المعطل مستحيلة، وأن فكرة التساوي في الحصص الوزارية مع المعارضة مستحيلة أيضاً.
3ـــــ ان الولايات المتحدة تجاوزت مرحلة اللامبالاة ازاء المبادرة العربية، إلى مرحلة التحذير من أي وجهة عربية أو فرنسية من شأنها فك العزلة عن سوريا، أو الإقرار بدور مركزي حاسم لقوى المعارضة في لبنان. وهو أمر عرضه الفرنسيون بصراحة أكبر مع ضيوفهم في الأيام الأخيرة. يضاف إلى ذلك أن الأميركيين لا يرحّبون حتى بحلول وسط مثل الفكرة التي نوقشت قبل مدة وكشف عنها الممثل الشخصي للأمين العام غير بيدرسون لجهة البحث في إمكان تأليف حكومة انتقالية حيادية تتولى إعداد قانون انتخابي تجرى على أساسه انتخابات نيابية مبكرة، على أن تنطلق هذه العملية بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
4ـــــ إن مسار العلاقات العربية ـــــ العربية لا يزال معقداً للغاية، ولم تبرز أيّ مؤشرات على حلحلة في ملف العلاقات السورية ــــ السعودية، بل برزت مؤشرات على سعي كتلة عربية خارج محوري دمشق والرياض، لإثارة الموضوع من زاوية ضمان عقد القمة العربية المقبلة من دون ربطها بسياق الحل اللبناني، ولا سيما أن هناك ملفات أخرى تحتاج إلى مناقشة وقرارات عربية ليس أقلها خطورة الوضع في فلسطين.
وبناءً على ذلك، تسأل المصادر: هل يمكث موسى في بيروت طويلاً، أم يغادر سريعاً بعد أن يتلمّس الفشل الناتج عن تصلب مواقف اللبنانيين من جهة، وتأزم العلاقات العربية ــــ العربية من جهة ثانية، ولاترحيب العواصم الدولية من جهة ثالثة؟
وتتابع المصادر أسئلتها: هل موعد 11 شباط المقرر مبدئياً لعقد جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو موعد نهائي للمبادرة العربية أيضاً، ولا سيما أن بعض المسؤولين العرب تحدثوا عن هذا الموعد كأنه آخر فرصة للمحاولات العربية، وبالتالي هل تتوقف المساعي العربية أم يعود النقاش حول التدويل إلى الواجهة، ومن سيكون صاحب الخطوة الأولى نحو التوجه إلى مجلس الأمن، هل هو قوى 14 آذار أم قوى عربية ستسعى إلى تحميل المعارضة في لبنان وسوريا مسؤولية عدم إنجاز الحل؟ وهل عدم التوافق الداخلي أو فشل المبادرة العربية يوجب الانتقال مباشرة إلى مجلس الامن، أم يكون لبنان على موعد مع مصيبة جديدة، وجريمة سياسية أو إنسانية كبيرة من النوع الذي يبرّر الذهاب سريعاً إلى مجلس الأمن، ويبرّر للعواصم الكبرى التدخل تحت عنوان حماية السلم في لبنان ومن خلاله في المنطقة؟