مهى زراقط
بعد مرور سبعة أشهر على بدء «وعد» عملها، يُتوقع أن تسلّم خلال الشهر الجاري المبنى الأول الذي أعادت إعماره في حارة حريك. وفيما تعد الشركة بتسليم كلّ مبنى فور إنجازه فهي تعلن عن تأخير في التسليم النهائي بسبب مجموعة عوائق عملية

عندما سُئل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله عن المطلوب إعلامياً من مشروع شركة «وعد» لإعادة إعمار الضاحية الجنوبية، أجاب بجملتين: «يجب أن يسبق العمل القول، وأن يكون هذا العمل أكبر من حجم المادة الإعلامية». درس إعلامي تلقاه العاملون يتناقض مع كلّ نظريات التسويق التي يحتاج إليها أيّ مشروع، فكيف بشركة مثل «وعد» تهدف إلى إعادة إعمار نحو 210 مبان سكنية في الضاحية الجنوبية و10 مبان في مدينة صور تهدّمت خلال العدوان الاسرائيلي عام 2006. وكيف بشركة لا تحظى، في أقلّ وصف، بـ«تعاون» السلطة معها؟
رغم ذلك التزم العاملون نصيحة السيّد، فبقيت «وعد» بعيدة عن الأضواء. «إطلالاتها» الإعلامية تزامنت مع مناسبات محدودة ارتبطت بإطلاقها (24 أيار/ مايو 2007) وبدء عملها في حزيران/ يونيو من العام نفسه مع الإعلان عن بدء تلزيم الأعمال للشركات الهندسية.

عائقان عمليّان

سبعة أشهر مرّت على هذا الإعلان، وها هي «وعد» تنجز المبنى الأول المتوقع تسليمه خلال الشهر الجاري في افتتاح ستُدعى إليه وسائل الإعلام. لكن سكان هذا المبنى لن ينتظروا الافتتاح، فبعضهم انتقل للإقامة في بيته رغم أن أعمال التشطيب لا تزال جارية.
يبتسم المدير العام للشركة المهندس حسن جشي وهو يعلن هذا الخبر، فها هي «وعد» تفي بوعدها وتبدأ التسليم قبل انتهاء مهلة العام الذي حدّدته... «لكن هذا لا يعني أننا لن نتأخر قليلاً في تسليم كلّ المباني بسبب وجود عائقين أساسيين». الأول برز بعد بدء العمل على الأرض حيث «تبيّن لنا أن الكثير من العقارات تحتاج إلى إعادة تدعيم لكي تصبح الأرض صالحة لإعادة البناء، وهذا يعني أنه لم تكن لدى الدولة أيّ خطة لإعادة الإعمار. فلو توافرت هذه الخطة لكانت عملية رفع الأنقاض جرت بطريقة مختلفة ولم تقتصر على السطح فقط. كان يُفترض أن تزيل الدولة كل الردميات وتُجري عمليات تدعيم للأبنية المجاورة وتسلّم الناس مواقع العمل جاهزة لإعادة البناء عليها». هذا لم يحصل «واضطررنا نحن إلى الدخول في عمليات الحفر والتدعيم لنحو 150 مبنى لكي نستطيع الوصول إلى الأرض الطبيعية ونبني عليها».
لم يؤثّر هذا العائق على مسألة الوقت فقط إذ «تحتاج العملية إلى شهرين ونصف شهر تقريباً»، بل هو رفع الكلفة وخصوصاً أن الدولة لم تلحظ التدعيم في جدول التعويضات المدرجة: «كلفة التدعيم مرتفعة وهي تتراوح بين 30 و120 ألف دولار للمبنى أي بإجمالي يقدّر تقريباً بخمسة ملايين دولار». ويرى جشي أن على الدولة أن تعيد النظر بهذا الأمر لأنه حق للناس «ونحن، بصفتنا وكلاء للمالكين، أجرينا المراسلات اللازمة بهذا الخصوص لإدراج مبالغ التدعيم ضمن التعويضات لكننا لم نحصل على جواب حتى الآن».
أما العائق الثاني فهو «اختياري» أجبرت «وعد» نفسها به بطيب خاطر: «حرصنا على مشاورة الناس بكل التفاصيل وتصاميم البيوت وأخذنا موافقة خطية من المالكين على تصاميم كلّ مبنى ضمن المقترحات التي قدّموها هم». لذلك، ورغم أن «إنجاز الدراسات بدأ في شهر نيسان/ أبريل 2007، لكن ما زلنا، إلى الآن، في انتظار موافقة مالكي نحو عشرة مبان على المخططات التي قدمناها ونحن نجري التعديلات المطلوبة».
يوضح جشي بعض التفاصيل التي يوليها المالكون الاهتمام، وهي تتدرّج في الأولويات «مثلاً، نحن انطلقنا في عملنا من ضرورة احترام المخطط التوجيهي الموجود، وهذا يستلزم تراجعات معينة عن الطريق بمعنى تصحيح مسارات الشوارع. عندما بدأنا تطبيق المخطط كان يجب أن يكون هناك تراصف للمباني بشكل مستقيم فيما بعض المباني كانت متراجعة أكثر أو العكس، وهذا تطلب معالجات أخرى بالتصاميم».

هكذا كان على المهندسين أن يجلسوا مع ممثلي لجان المباني لمناقشة كلّ التفاصيل المتعلقة بإعادة البناء وفق المخطط التوجيهي «علماً بأن كلّ التجاوزات التي كانت قائمة حاصلة على تسوية من الدولة آنذاك». ومن المشاكل التي كانت تجري مناقشتها مع السكان: «إضافة شرفة، شباك، أعمدة في المستودعات بسبب الرغبة في تأمين مواصفات السلامة العامة مثل مقاومة الزلازل... أكثر من ذلك دخلنا في تفاصيل أصحاب الاحتياجات الخاصة لجهة تقسيم الغرف، تكبير الحمامات، توسيع مداخل المباني». هكذا يكون الناس هم من بنى وهندس «وخرجت بيوتهم لتحقق أحلامهم».

مجمّع الحسن

من الأمثلة التي يقدّمها جشي، وعولجت أخيراً، حلّ مشكلة إعادة بناء مجمع الإمام الحسن، الذي شهد مجزرة في اليوم قبل الأخير من العدوان. كان هذا المجمّع المؤلف من ثمانية مبان يقوم على مساحة 4500 متر مربع ما يشكل اكتظاظاً سكانياً ويمنع دخول الشمس والهواء إلى المباني، عدا عن أن التقسيم الداخلي للشقق لم يكن ملائماً فالحمّام مثلاً كان مواجهاً للباب الرئيسي «وبعد مشاروات طويلة اتفقنا مع المالكين على إعادة بناء 5 مبان فقط في العقار واشترينا عقاراً آخر يبعد أربعين متراً لإعادة بناء ثلاثة مبان». يبتسم أحد العاملين في «وعد» وهو يتذكر عدد اللقاءات مع الأهالي لتحديد من ينتقل من المجمّع إلى المباني الجديدة وكيف يتوزعون الطبقات «رضى الناس غاية لا تُدرك» يقول، رغم ذلك: «الناس كانوا متجاوبين معنا وإن أخّرونا قليلاً».
عندما أُطلقت «وعد» اقترحت على الأهالي الاختيار بين صيغتين: توكيلهم الشركة إعادة البناء على أن يدفعوا لها ما سيتقاضونه من تعويضات، أو أن يبنوا بأنفسهم على أن تتكفل الشركة دفع الفروقات في كلفة إعادة البناء: «في ذلك الوقت كُلّفنا بإعادة إعمار 185 بناية، فيما اختار مالكو نحو 85 بناية البناء بأنفسهم. بعدما بدأنا بالعمل ولاحظ الناس حركة البناء، غيّر مالكو 35 بناية رأيهم وأوكلوا إلينا إعادة البناء وخصوصاً مع تأخر الدولة في دفع التعويضات لهم. هكذا صرنا مسؤولين عن إعادة بناء 220 بناية جرى تلزيم 199 منها فيما تنتظر المباني الـ21 إنجاز الخرائط اللازمة».

التواصل مع الدولة

إذا انطلقنا من الأرقام يمكن اكتشاف طبيعة العلاقة مع الدولة، إذ يبلغ عدد الذين لم يتقاضوا الدفعة الأولى من التعويضات 2289 شخصاً، أي عقاراً. رغم ذلك، يقول جشي: «نحن نتواصل مع المؤسسات المعنية ، لكن المشكلة أن القرار ليس في كل هذه المؤسسات. هناك قرار سياسي بعدم تسهيل أمورنا من قبيل منعنا من قبض أموال التعويضات بناءً على الوكالات المعطاة لنا وإلزام المواطنين بالحضور شخصياً. لقد تقدمنا بشكوى إلى مجلس شورى الدولة بهذا الخصوص ونتمنى أن تُبتّ بأقصى سرعة لأن هذا يعوق عملية الإعمار، علماً بأن الناس يخرجون مباشرة من صندوق المهجرين إلى مبنى «وعد» ويضعون الشيكات في تصرفها». ويكشف جشي أن «مجمل ما دفعته الدولة عن المباني المهدمة كلياً لم يتجاوز 50% من الدفعة الأولى أي 25% من قيمة المشروع. وإذا لم نحكِ بالسياسة عن سبب هذا التأخير بعد مرور عام ونصف عام، فأقلّ ما يمكن قوله إن هناك خللاً إدارياً». تكشف طريقة التعاطي هذه الخلفية التي تنطلق منها الدولة في التعامل مع مواطنيها «يبدو من طريقة التعامل أنها لا تحمل همّهم، عوض أن تقوم هيئة طوارئ لمعالجة ما حدث تأخروا 16 يوماً قبل البدء بإزالة الركام... والآن لا يكفي أن تدفع الدولة المال، لأن الناس لا يزالون ناقمين حتى لو كانوا تقاضوا كل حقوقهم».
تنطلق «وعد» من خلفية إنسانية اجتماعية. ويلفت القيّمون إلى شعار الشركة الذي يدلّ إلى صاروخ إسرائيلي أصاب الضاحية فتوزّع أبناؤها في مختلف المناطق اللبنانية، وعندما عادوا أعادوا معهم كلّ اللبنانيين إليها من خلال «وعد» التي استقطبت شركات دراسات وهندسة ومقاولين من مختلف المناطق اللبنانية... والانتماءات السياسية أيضاً. يذكر أن «وعد» كانت قد قدّرت كلفة إعادة الإعمار بنحو 370 مليون دولار ستزيد بسبب عمليات التدعيم الحاصلة. ويتوقع جشي أن تدفع الشركة ضعف المبلغ الذي ستدفعه الدولة لتسديد الفرق في كلفة إعادة الإعمار.
وعن موعد نهائي لإنجاز الأعمال يؤكد «نحن نسير ضمن الخطة. طرأت عوائق على عملنا ستؤثر على الجدول الزمني لتسليم بعض المباني، لذلك يمكن القول إننا كنا نتوقع أن نسلّم كلّ الأعمال في النصف الأول من عام 2009، لكن يمكن أن نتأخر إلى النصف الثاني من العام نفسه». ويعد جشي بأنه «كلما انتهى مبنى سنسلّمه لمالكيه علماً بأن الناس لا ينتظروننا أصلاً فهم يعودون قبلنا».



نصر الله: الوفاء لأهل الوفاء

ليست «وعد» مجرد شركة لإعادة الإعمار بالنسبة للعاملين فيها. هي مشروع إنساني اجتماعي بالدرجة الأولى، وخصوصاً أنها واحدة من مشاريع مؤسسة «جهاد البناء» الخيرية. لذلك وضعت الشركة نفسها في تصرّف الناس «وكنا نستمع إلى كلّ التفاصيل ونخصّص ساعات طويلة للنقاش في شكل الشرفة أو تغيير مكان الشباك أو، أو...».
هذه الخلفية في العمل موجودة في ذهنية المقاومة لكن وصايا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عزّزتها، قالها لكلّ المالكين الذين اجتمع بهم في لقاء خاص استمرّ ثلاث ساعات وجمع أكثر من ثلاثة آلاف شخص. ثم كرّرها في اجتماع داخلي مع العاملين في الشركة في 1 حزيران/ يونيو 2007 حين اعتبر «أن الخدمة في هذا المشروع هي من أعظم القربات إلى الله تعالى». ومما قاله في ذلك الاجتماع: «وعدنا الناس وصدقنا معهم. إدخال البهجة إلى قلوبهم هو هدف أصلي لأن الخلفية الأخلاقية لمشروع «وعد» هي الوفاء لأهل الوفاء، وفاء بوفاء، ونحن لم نعدهم طمعاً بحطام الدنيا ولا للحصول على مديحهم ولا خوفاً من ذمّهم»، وأنّ «المطلوب هو الصدق مع الناس الذين وعدتُهم... لأنّ أهم العوامل التي ساهمت في النصر في حرب تموز هو معنويات الناس المرتفعة وخطاب الناس الموجّه للمجاهدين».
يأتي هذا الكلام في إطار نظرة المقاومة لنفسها كمشروع إنساني لا يقتصر فقط على العمل العسكري. يقول نصر الله: «لا نظير لتجربة المقاومة في لبنان وفي التاريخ، حيث اقتصرت المقاومات السابقة على العمل العسكري دون الاهتمام بالجانب الإنساني والعمراني والاجتماعي والروحي، أي مقوّمات المجتمع الأهلي والاعتناء بالإنسان وبقيمته وقيمه، فحتى العملاء تفرّدت المقاومة بطريقة التعامل معهم نتيجة لجوهرها القائم على التقوى».