سوزان هاشم
توقف الشرطة في الجنوب أكثر من 30 شخصاً بجرم الاتجار بالمخدرات وتعاطيها، فيما تغيب عن المنطقة مراكز تأهيل المدمنين الذين يوضعون في السجون. من ناحية أخرى، تشتبه القوى الأمنية في أن تجاراً يهرّبون المخدرات إلى فلسطين المحتلة عبر الحدود الجنوبية

خلال النصف الأخير من الشهر المنصرم أوقِِف ثلاثون شاباً في منطقة صيدا للاشتباه فيهم بتعاطي المخدرات. هذه النسبة ليست ثابتة، فبحسب ما ذكرت مصادر أمنية لـ«الأخبار»، يوقف مكتب مكافحة المخدرات في الجنوب شهرياً عدداً يراوح معدله الشهري بين 35 و40 مشتبهاً فيهم بقضايا المخدرات، أكثرهم من المتعاطين. وذكرت المصادر أن أكثر الموقوفين يشتبه في تعاطيهم حشيشة الكيف وحبوب الأعصاب وأدوية السعال، وأن نسبة قليلة منهم مشتبه في تعاطيها الكوكايين والهيرويين.
التوقيفات الأخيرة في منطقة صيدا ليست جديدة. فقبل ثمانية أشهر دقت الهيئات الاجتماعية والأمنية والقضائية ناقوس الخطر في مدينة صيدا، معلنةً تفشّي ظاهرة إدمان المخدرات في المدينة وجوارها. فالكثير من الأهالي اشتكوا من إدمان أبنائهم أدوية الأعصاب والمواد اللاصقة، فأطلقوا صرخة مناشدة بوجه فاعليات المدينة للتحرك سريعاً ووضع حلول مناسبة لهذه الآفة. لذلك اجتمعت حينها هذه الفاعليات في منزل النائب بهية الحريري، معلنةً إطلاق حملة مكافحة المخدرات بمساندة القوى الأمنية المختصة، أي مكتب مكافحة المخدرات في الشرطة القضائية، التي أطلق رئيسها العميد أنور يحيى حملة دهم وتفتيش نجم عنها، بعد شهر واحد، توقيف 160 شخصاً بتهمة تعاطي المخدرات والاتجار بها.
وذكرت مصادر أمنية أن المواد المخدرة المشتبه في تعاطي الموقوفين لها تبدأ من الصمغ اللاصق والتينر مروراً بأدوية الأعصاب والسعال التي تبيعها الكثير من الصيدليات من دون وصفة طبيب، وصولاً إلى الحشيشة والكوكايين والهيرويين. وأضافت المصادر إن المادة الأخيرة تشهد في الفترة الأخيرة رواجاً كبيراً بسبب تدني أسعارها. فقد وصل الغرام منها، بحسب المصادر نفسها، إلى أقل من 40 ألف ليرة، وفي الكثير من الأحيان يقسم الغرام الواحد إلى أجزاء صغيرة يوزع على علب يبلغ سعر الواحدة منها، 7 آلاف ليرة.
وقالت المصادر لـ«الأخبار» إن التوقيفات طالت نسبة لا يستهان بها من تلامذة المدارس وطلاب الجامعات. وبالنسبة إلى الاتجار بالمخدرات الذي تختلف عقوبته عن التعاطي، فإن الأولى جناية فيما تعد الثانية جنحة بحسب قانون المخدرات (673\98)، ذكر مصدر قضائي لـ«الأخبار » أن «القوى قلّما تلقي القبض على تجار المخدرات الذين يصعب الوصول إليهم، وهذا لا ينحصر في الجنوب». الأمر ذاته قالته المحامية مريم الشامي، مشيرة إلى ضرورة ملاحقة هؤلاء إذ «إن الاتجار أخطر من التعاطي، فلا متعاطين من دون تجار».
وإذا كانت محافظة الجنوب تشهد نسبة عالية من المتعاطين، فإن محافظة النبطية تحذو حذوها. وبحسب مصادر أمنية، فإن الحالة الاجتماعية لا تقف حائلاً أمام الشباب المتعاطين الذين يلجأون إلى شتى الوسائل لتأمين «الزوادة»، ولا سيما السرقة، إذ إن جرم التعاطي غالباً ما يكون متلازماً معها.

تهريب إلى الأراضي المحتلة؟

تجدر الإشارة إلى أن منطقة الشريط الحدودي، أي الجنوب المحرر، تسجل نسباً عالية من المتعاطين بحسب ما تشير مصادر قصر عدل النبطية. وتقول المحامية الشامي إن «ملفات العملاء القضائية يكاد لا يخلو واحد منها من قضية مخدرات تعاطياً أو اتجاراً». ولفتت مصادر أمنية في الجنوب إلى أن تهريب المخدرات إلى الأراضي المحتلة لا يزال حتى اليوم عملاً رابحاً لبعض التجار منذ ما قبل تحرير الجنوب عام 2000. وذكرت مصادر أمنية أن أربعة مدنيين متنكرين بزي قوات الطوارئ حاولوا منذ أكثر من شهرين تهريب المخدرات عند نقطة الغجر، فألقت القوى الأمنية اللبنانية القبض على اثنين منهما، أما الآخران فأوقفهما جيش الاحتلال الإسرائيلي.

غياب مراكز علاج إدمان المخدرات

وكما في مختلف المناطق اللبنانية، تغيب عن الجنوب مراكز معالجة المدمنين، الذين لا يزال القانون اللبناني يتعامل معهم كمجرمين، لا كأشخاص لهم برامج طبية جسدية ونفسية لعلاجهم. ويمثّل هذا الغياب مخالفة لقانون المخدرات، ولا سيما المادة 193 منه، التي تنص على أن النيابة العامة، في حال توقيف شخص بجرم تعاطي المخدرات تحيله إلى لجنة الإدمان كي يخضع للعلاج، وهو يقسم إلى علاج جسدي (إزالة التسمم الإدماني)، نفسي (التخلص من الارتهان النفساني) والاجتماعي (إعادة اندماجه في المجتمع)، ولكن يبقى ذلك حبراً على ورق. فالمدمن يودع عادة في السجون التي يغيب عنها أي برنامج إصلاحي أو علاجي. وفي هذا الإطار، ذكر أحد المحامين لـ«الأخبار» أن أحد موكليه المتهمين بتعاطي المخدرات، وإثر خروجه من السجن، لم يجد سبيلاً للاحتفال غير تنشق مادة مخدرة.