البقاع ـ رامح حمية
ما بين حريق شبّ هنا، وأعمال قطع تحت جنح الظلام هناك، ثمة من يلجأ بإرادته، وتحت وقع الضغوط الاقتصادية والمعيشية، إلى اقتلاع وقطع أشجاره المثمرة أو تلك الحرجية، بهدف تأمين رغيف خبز أو قسط مدرسي أو دفء منشود في أيامه الباردة.
أحراج السلسلة الغربية وبساتين البقاع وكرومه وأشجاره من تفاح ومشمش ولوز وكرز وعنب، تتعرض يومياً للقطع بوضح النهار وبطلب من أصحابها، في محاولة منهم للهروب إلى الأمام من أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، علّ ثمنها يقي من الجوع والبرد، فيما يبقى الإصرار لدى المزارعين على مقولة: «اللي زرعها مرة، بيزرعها مرة ثانية!».
أطنان من حطب البساتين والكروم يجري اقتلاعها وتقطيعها وبيعها لتجار الحطب، نظراً إلى الحاجة الماسّة للسيولة المالية، أو للتخلّص من العبء المتمثل بالأكلاف التي تنهك المزارع كل عام، والذي يفاجأ عند حلول موسم جني المحاصيل والغلّة بانخفاض كبير في الأسعار أو بمنافسة من المنتجات الزراعية العربية.
الحاج «أبو منير» صاحب أحد كروم العنب الذي باع عنبه «بالحسبة»، اقتلع الدوالي لاستخدامها في التدفئة من جهة ولاستثمار الأرض في مشاريع زراعية أخرى. يقول أبو منير: «إن أكلاف الاهتمام بالكروم من تشحيل وحراثة ورشّ مبيدات، تفوق بكثير المردود المادي بسبب الأسعار المتدنية والمنافسة، علماً بأن عنبي من النوعية الجيدة».
عيسى حيدر أحد تجار الحطب من بلدة بدنايل، أشار في حديث لـ«الأخبـار» إلى أنه يقدّر كمية الحطب التي بيعت «في قرى بعلبك وبلداتها بـ12 ألف طن من مختلف أنواع الحطب (سنديان، دوالي عنب، تفاح، لوز، كرز..) ما خلا قرى الهرمل التي تستقدم حاجتها من الحطب من مدينة حمص بحدود 200 طن يومياً». وذكر حيدر أنه قطع منذ عدة أيام «نحو 8 آلاف طن من بلدة عنجر». وأضاف قائلًا: «أنا أضمن دونم الكروم والبساتين بـ40 ألف ليرة من أصحابها»، وبعد تقطيعها أمام منزله وبكلفة تصل حد 60 ألفاً، يعمد إلى بيعها «بمبلغ يراوح بين 130 ألفاً و200 ألف حسب الزبون».
تاجر آخر من بلدة عين كفرزبد يدعى عباس ويلقّب «أبو السواحل» يعمل أيضاً على ضمان البساتين والكروم من أصحابها في بلدات عنجر وقوسايا وكفرزبد وصولًا إلى مجدل عنجر، فيقطّعها ويوضّبها ويبيعها في البقاع الأوسط (زحلة ـــــ الصويري ـــــ العقيدية). ويذكر أنه باع 500 طن من حطب الكرز والمشمش واللوز والتفاح. وشرح أبو السواحل أسباب إقدام الناس على نزع بساتينهم قائلاً: «الناس كفرت من الجوع والبرد وعدم القدرة لديهم على شراء حاجياتهم الضرورية، فلا يبقى لأحدهم إلا الرهان على بستانه لتمضية شتائه على أمل أن يزرعه مجدداً في ظل أوضاع قد تكون أفضل مستقبلاً».
بدوره، رجّح رواد حيدر، تاجر حطب من جبيل، أن تزول أحراج لبنان فيما لو استمرت عمليات القطع والطلب المتزايد على الحطب جراء ارتفاع أسعار المحروقات، مشيراً إلى أن جرود العاقورة باتت شبه جرداء بفعل أعمال القطع. وأوضح حيدر أنه يعمل بموجب رخصة قانونية، ويضمن الأحراج من أصحابها في جرود علمات وفقاً لمبدأ «الثلث بالثلثين» ، أي بعد البيع يكون الثلث لصاحب الحرج والثلثان «من حقي لقيامي بأعمال القطع والتوضيب والبيع»، وذكر أنه باع حتى اليوم نحو 500 طن من حطب السنديان.
وإذا كانت البساتين والكروم ذات الملكية الخاصة لم تنجُ من أعمال القطع، فكيف بالمحميات الطبيعية؟ فقد أشار الدكتور ناصر شريف المسؤول عن محمية اليمّونة الطبيعية، إلى أن «أعمال القطع طاولت أشجار المحميّة من سنديان ولزّاب وملّول».