طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
تشهد أروقة بلدية طرابلس وجلساتها التي تُعقد دورياً، سجالاً حامياً بين فريقين انقسما في الرأي بشأن المشروع الذي تنوي البلدية تنفيذه، والقاضي بسقف جزء من نهر أبو علي، قرب قلعة طرابلس ووسط أسواقها التاريخية، وتحويله إلى سوق فرعي لباعة الخضر والفواكه بالمفرّق، وللعربات والبسطات، إضافة إلى تحويل السير في محيطه، من أجل حلّ مشكلة الازدحام والفوضى والثلوّث على جانبي النهر، بعدما أصبح الوضع الحالي محط شكوى وتذمّر غالبية المواطنين، المقيمين والعابرين على السواء.
ومع أنّ المشروع الذي يندرج ضمن لائحة مشاريع الإرث الثقافي التي تنفّذ في المدينة القديمة بهدف إحيائها، والمموّلة من «البنك الدولي» و«وكالة التنمية الفرنسية»، ليس الوحيد الذي أحدث انقساماً حوله داخل المجلس البلدي، إلا أنّ النقاش ما لبث أنْ اتّسع بشأنه خارج جدران مبنى البلدية، وبات حديث عامّة الناس وخاصتهم، وتحديداً سكّان المنطقة المتاخمة لمجرى النهر، نظراً الى ما يمثّله لهم من رمز معنوي، وما يختزنون عنه من ذكريات، منذ بنائه بشكله الحالي أيّام الرئيس الراحل رشيد كرامي، إثر الفيضان الشّهير الذي ضرب طرابلس في الخمسينات، وأحدث فيها آنذاك أضراراً كبيرة، إضافة إلى أنّ اقتراح سقف النّهر عدّ بمثابة خطوة إلى الوراء، بعدما لم تنفع كلّ المعالجات السابقة في منع رمي نفايات سوق الخضر فيه، وتحوّله إلى ما يشبه المكبّ، فأتى اقتراح سقفه ليفاقم المشكلة بدل حلّها.
وقد دفع هذا الأمر خمسة أعضاء في البلدية، هم جلال عبس، إبراهيم حمزة، رياض يمق، صفوح يكن وخالد تدمري، إلى توجيه كتاب إلى رئيس البلدية رشيد جمالي، اعترضوا فيه على مشروع سقف النّهر وخطة السير الجديدة، وطالبوا بعرض المشروع على المجلس البلدي قبل البدء بتنفيذ أعمالهوأشار الكتاب إلى «أنّه بعد الإعلان عن تلزيم مشروع سقف جزء من نهر أبو علي لإقامة سوق للبسطات عليه وتحويل السير في محيطه، ولمّا كان المجلس البلدي عامّة ولجنة الآثار والتراث خاصّة لم يتمّ إطلاعهم حتى الآن على تفاصيل المشروع المذكور، بحجّة عدم ورود خرائط المشروع إلى البلدية حتى الآن!، والذي أثار ويثير الكثير من الاعتراضات من السكّان وأصحاب المحال في المنطقة، وأبناء المدينة الغيورين على تراثها وجمالياتها، وقد جرى توقيع الكثير من العرائض التي تحوي مئات الأسماء، ومراجعة أعضاء المجلس بذلك. ولمّا كانت بلدية طرابلس ولجنة الآثار والتراث فيها قد أحيت منذ ثلاثة أعوام الذكرى الكارثية لطوفان النهر وما خلّفه مشروع تقويمه من تدمير كامل لقلب المدينة القديمة وتحويل مجرى النهر إلى «أناية»، يأتي مشروع الإرث الثقافي اليوم ليضيف بعد خمسين عاماً كارثة جديدة ستحوّل النهر تدريجياً إلى «مجرور» تعلوه البسطات، ويمحو تدريجياً وجود النهر من ذاكرة المدينة؛ فإنّنا نسجل اعتراضنا ورفضنا الكامل لمشروعي سقف النهر بحجّة نقل البسطات إلى سطحه، وتحويل السير في محيطه، ونطالب بتخصيص جلسة خاصّة لعرض المشروع التفصيلي على المجلس البلدي ومناقشته، قبل المباشرة بأعمال التنفيذ».
وفي الوقت الذي لم يصدر فيه عن البلدية بعد أيّ توضيح بهذا الشأن، رأى يمق أنّ مشروع سقف النهر «جريمة بيئية بحقّ أهم معالم طرابلس السّياحية والحضارية في العصر الحديث». وسأل: «ألا تستحق طرابلس مشروعاً تنموياً لتأهيل مجرى النّهر وتحسين مساره وصولاً إلى البحر أفضل من هذا المشروع؟»، لافتاً إلى أنّه «في وقت تجهد فيه معظم المدن الراقية التي تفتقر إلى وجود أنهار لإقامة بحيرات صناعية، يحاول أصحاب القرار في بلدية طرابلس إلغاء أحد أبرز المعالم من ذاكرة المدينة، التي ارتبط اسمها بهذا النّهر».