قرحا ــ خالد سليمان
كان من الصعب الوصول إلى قرية قرحا التي لا تبعد عن الحدود السورية سوى بعض الأمتار نظراً لوعورة الطريق وعمق الحفر الممتلئة بالماء والوحول .لا أعلام لحزب الله أو لحركة أمل ولا صور للشهداء. الحرمان هو الصورة الوحيدة التي تخيم على القرية الشيعية التي ينتمي أفرادها إلى عشيرة آل عبيد الذين نزحوا من البقاع أواخر الخمسينيات بعد خلاف عشائري قضى فيه سبعة أشخاص.
ورغم الصلح الذي تم بعد فترة، إلا أن شيخ العشيرة المرحوم أبو مشهور عبيد فضّل الاستقرار في قرحا وعدم العودة إلى البقاع خوفاً من تجدد الخلافات وتجنباً لسفك الدماء.
أواسط السبعينيات، نزح نصف أبناء القرية إلى منطقة بياقوت في المتن ثم انتقلوا إلى قرية الأنصار قرب دورس واستقروا فيها لغاية اليوم، فيما القسم الباقي (1200 نسمة) لا يزال في قرحا متمسكاً بوصية الشيخ ووفاءً لمن وقف إلى جانب العشيرة في محنتها، وهم عشيرة العتيق في وادي خالد الذين فتحوا بيوتهم لآل عبيد وكان لهم فيها «مكانة الصدر وكل شيء مشترك بينهم إلا ما حرّمه الله». ويشدد مشهور عبيد، شيخ العشيرة الحالي وأستاذها الذي لا يزال يذكر كيف هاجر آل عبيد عام 1958 من الهرمل وتدخل وجهاء العتيق (الدكوم ـ علي الحسيان ـ محمد العلي ـ أبو سلطان ـ فاضل علي الأحمد... وغيرهم) لاستضافتهم بعدما عرفوا بما حصل.
اشترى آل عبيد أراضي قرحا البالغة مساحتها 6500 دونم من أحد البكوات بعدما نزح سكانها العلويون عنها إلى سوريا بعد خلافات طائفية مع أهالي وادي خالد ووزعت الأراضي بالتساوي على جميع العائلات.
هذا الأمر خلق مشكلة للقرية، إذ إن مختارها اليوم هو من العلويين المقيمين في قرية الناعم السورية المجاورة لأن عدد السكان الأصليين أكثر من آل عبيد الذين خسروا الانتخابات الاختيارية عام 1998 وقاطعوها عام 2004 لأن النتيجة ستكون كالسابق لأحد أبناء الطائفة العلوية الذي يزور قرحا بناءً على طلب الأهالي لإنجاز المعاملات ويعود إلى قريته في سوريا، فيما غالبية المعاملات تنجز لدى مخاتير وادي خالد.
وهنا يسأل مشهور عبيد كيف يجيز القانون لشخص غير مقيم في لبنان أن يترشح للانتخابات الاختيارية، واصفاً هذا القانون بأنه «أعوج».
تقدم الأهالي باقتراح إلى وزارة الداخلية يقضي بأن يكون للقرية مختاران، واحد للمقيمين فيها وآخر للمقيمين في سوريا، ولكن من دون نتيجة لغاية اليوم.
أما العلاقة مع الجوار السني فهي على أحسن حال وكأن لا وجود لسنّة أو لشيعة في المنطقة المسماة الوعر، التي تضم إلى قرحا حنيدر وكنيسة أو «مثلث الحرمان» كما يسميه عبيد. و«هناك ميثاق شرف بين قرحا والجوار بأن لا يكون هناك باطل بينهم، والحق هو سيد الأحكام وأية مشكلة تحل حبياً من دون تدخل الدولة».
ويضيف «نحن اليوم في حال ودّ ووئام مع المحيط الذي نسكن فيه ونتجنب كل ما يثير الحساسيات، وخصوصاً في هذه الظروف التي يمر بها لبنان. وقد أوصيت أفراد القرية بأنه لا تظاهرات أو اعتصامات في قرحا لهذه الجهة أو تلك؛ علماً بأنه لا وجود للحزب أو الحركة في قرحا، سوى حالة التعاطف مع المقاومة وهذا أمر طبيعي».
وعن وجود قوى سياسية أخرى، قال عبيد إن الناس مع الخط الوطني والعروبي والقومي من دون وجود تنظيمات حزبية سوى حزب البعث العربي الاشتراكي.
وهنا يتدخل سعدون نجل الشيخ بالقول «أنا سمّيت اثنين من أبنائي الأربعة حافظ ونصر الله تيمناً بالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله».
وعلى صعيد النقص في الخدمات، تفتقر القرية إلى مياه الشفة ويضطر الأهالي إلى شراء الماء عبر الصهاريج، ويبلغ سعر الصهريج الواحد 18 ألف ليرة رغم بناء خزان لاستجرار المياه من نبع الصفا عام 95، ولا يزال على حاله لغاية اليوم شاهداً على الحرمان، إضافة إلى عدم وجود شبكات للصرف الصحي.
وأفاد الأهالي أن مدرسة القرية التي تأسست في عام 1959 مهددة بالسقوط في أي لحظة وتشكل خطراً على نحو 100 تلميذ. وقد ناشدوا وزارة التربية الإسراع في إنجاز مدرسة جديدة وثانوية في منطقة الوعر تسهيلاً للطلاب الذين يقطعون مسافات كبيرة للتحصيل العلمي.
يذكر أن عدداً من أبناء قرحا الذين تخرّجوا من هذه المدرسة تبوّأوا أرفع المناصب، ومن بينهم الإعلامي خضر عبيد (إذاعة الشرق في باريس)، الدكتور راشد عبيد والمهندس علي عبيد. كما أن عدداً من آل عبيد يشغلون اليوم مناصب رفيعة في الدولة، ومنهم المصرفي في مصرف لبنان نظير عبيد ومدير أحد فروع الضمان الاجتماعي ربيع عبيد.
ولا وجود لأي عمليات تهريب في قرحا رغم قربها من سوريا (35 كلم عن حمص) التي يقصدونها للتسوّق وشراء الأدوية والحاجات المنزلية، علماً بأن السواتر الترابية التي أقامتها السلطات السورية على الحدود لمكافحة التهريب أعاقت انتقال الأهالي إلى سوريا، ما اضطرّهم للدخول إليها عبر المعابر الشرعية في الدبوسية والعريضة التي تبعد 55 كلم عن قرحا.
على الصعيد الزراعي، لا تصلح الأراضي الفقيرة بالماء إلا لزراعة القمح والشعير، وقد تجمد منذ سنوات نشاط الجمعية التعاونية الزراعية التي تعدّ أول جمعية زراعية في عكار لأن الزراعة باتت عبئاً على أصحابها مع غياب الدولة وحال المزارعين المزرية.