strong>عمر نشّابة
نقلت وسائل إعلام محلية وعربية أمس كلاماً عن لسان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة نيكولا ميشال يتضمّن تجاوزاً لمعايير العدالة ولنصّ قرار صادر عن مجلس الأمن، وفيه استباق للتحقيقات الجارية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الأخرى وتوريط مباشر للمحكمة في الصراعات السياسية

من المفترض أن تنشأ المحكمة الدولية الخاصة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والجرائم الأخرى إذا ثبت تلازمها معها «استناداً إلى أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية» كما جاء حرفياً في نصّ القرار الرقم ١٧٥٧ الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته ٥٦٨٥ المعقودة في ٣٠ أيار 2008. لكن أوردت أمس صحيفة «الحياة» كلاماً عن لسان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة نيكولا ميشال الذي يترأس فريق اختيار القضاة الدوليين والمحليين في المحكمة، يتجاهل من خلاله تلك المعايير لا بل يخالفها لجهة استباق نتائج التحقيقات الجنائية المستمرة، كما بدا واضحاً في التصريح الذي ذكرت الصحافية راغدة درغام (مديرة مكتب «الحياة» في نيويورك) أنه نُقل عنه، بحيث ذكرت الصحيفة حرفياً أن ميشال «أنذر الذين يقومون باغتيالات سياسية في لبنان» قائلاً «حان الوقت لأن يفهموا أن هذا لن يؤدي بهم سوى إلى المثول أمام القاضي ... إن هذه المحكمة ستحاكم كلّ أولئك الذين ارتكبوا هذه الأفعال (الصفحة الأولى، جريدة «الحياة» عدد 16378).
لكن نصّ النظام الأساسي للمحكمة الخاصة للبنان يذكر حرفياً أن «للمحكمة الخاصة اختصاصاً على الأشخاص المسؤولين عن الهجوم الذي وقع في ١٤ شباط /فبراير ٢٠٠٥ وأدى إلى مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وإلى مقتل أو إصابة أشخاص آخرين. وإذا رأت المحكمة أن هجمات أخرى وقعت في لبنان في الفترة بين ١ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٠٤ و١٢ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٠٥، أو في أي تاريخ لاحق آخر يقرره الطرفان ويوافق عليه مجلس الأمن، هي هجمات متلازمة وفقاً لمبادئ العدالة الجنائية وأن طبيعتها وخطورﺗها مماثلتان لطبيعة وخطورة الهجوم الذي وقع في ١٤ شباط/فبراير ٢٠٠٥، فإن المحكمة يكون لها اختصاص على الأشخاص المسؤولين عن تلك الهجمات». (المادة الأولى).
وبما أن لجنة التحقيق الدولية المستقلة لم تنتهِ من عملها بعد وما زالت تنظر في احتمال تلازم الجرائم بعضها ببعض كما يشير تقريرها الأخير (28 تشرين الثاني 2007) الذي تنصّ الفقرة 73 منه حرفياً على الآتي «أكدت خطوات التحقيق التي اتخذت خلال الفترة المشمولة ﺑﻬذا التقرير فرضية اللجنة عن احتمال وجود صلات عملياتية بين بعض الفاعلين المحتملين لهذه الجرائم المختلفة. وستتابع هذه التحريات على سبيل الأولوية في الفترة المشمولة بالتقرير المقبل، مع مراعاة ﻧﻬج اللجنة في إدارة المعلومات الحساسة. إضافة إلى ذلك، ستُستكمل التقارير الموحدة التي تعززها التقارير المرجعية عن الجرائم لكي تعكس التطورات المستجدة في كل قضية على حدة وتحديد الصلات الممكنة»، تجاوز الكلام المنسوب لنيكولا ميشال النظام الأساسي للمحكمة عبر اعتباره أن الجرائم الأخرى هي «هجمات متلازمة وفقاً لمبادئ العدالة الجنائية» قبل انتهاء التحقيقات. يذكر أن مهمة تحديد التلازم المحتمل وعدمه تعود إلى المدعي العام الدولي وإلى قاضي ما قبل المحكمة بعد التأكّد من أن لجنة التحقيق الدولية تمكّنت من جمع الأدلة الجنائية بحسب المعايير المهنية والقانونية التي تسمح باعتبار هذه الأدلة كافية للتوصل إلى قرار بهذا الشأن. إشارة إلى أن محكمة البداية المؤلفة من ثلاثة قضاة يحقّ لها أن تعيد النظر بما يتقدّم به الادّعاء بما في ذلك فرضية تلازم الجرائم مع جريمة اغتيال الحريري. وبالتالي فإن مسألة الحسم في قضية تلازم الجرائم لا تحدّد نهائياً إلّا بعد تقدّم المحاكمة لا قبل انعقادها.
إن استباق نتائج التحقيقات الجنائية التي تجريها لجنة التحقيق الدولية لجهة التدقيق بمدى تلازم الجرائم الأخرى بجريمة اغتيال الحريري لا يتجاوز نظام المحكمة فحسب بل يتجاوز قواعد العدالة. واللافت أن الكلام الذي يُعبّر عن هذا التجاوز نقلته صحيفة عربية واسعة الانتشار عن لسان رئيس فريق اختيار القضاة في المحكمة الدولية.
وفي هذا الصدد ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر سأل مراسل «الأخبار» في «نيويورك» نزار عبّود عشرات المرّات المسؤولين في الأمم المتحدة عن المعايير المفصّلة المعتمدة لدى لجنة اختيار القضاة، لكنهم اكتفوا بإعطاء معلومات عامّة لا تزيد على ما ذُكر في نصّ النظام الأساسي للمحكمة، أي إنه «يتعيّن أن يكون القضاة أشخاصاً على خلق رفيع، وأن تتوافر فيهم صفات التجرد والنزاهة، و يتمتعون بالخبرة القانونية الواسعة. ويتعين أن يتمتع القضاة بالاستقلال في أدائهم لوظائفهم، ولا يجوز لهم أن يقبلوا أو يلتمسوا توجيهات من أي حكومة أو من أي مصدر آخر» (البند الرابع). بينما يقتضي الالتزام بـ«أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية» اختيار القضاة وفقاً لآلية واضحة وشفافة ومفصّلة، فلماذا يتجنّب المسؤولون في الأمم المتحدة شرح معايير الاختيار بالتفصيل؟
في 17 كانون الثاني 2008 أرسلت «الأخبار» كتاباً رسمياً الى الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان غير بيدرسون تسأله عن معايير اختيار القضاة ومصدر المعلومات التي يترتب على فريق اختيار القضاة جمعها قبل اتخاذ قراراتهم وإرسالها الى الأمين العام وآلية عمل هذا الفريق، لكن لم يجب بيدرسون ولم تتوضّح آلية الاختيار حتى اليوم، بينما أجاب نيكولا ميشال عن سؤال «ماذا تقول للذين فقدوا الأمل بالمحكمة؟» بالقول «أود أن أقترح عليهم أن يقدّروا أدوار الصحافيين الذين يحاولون قدر المستطاع أن يقدموا المعلومات للقراء، وأن يستنتجوا من خلال أجوبتنا أن المحكمة باتت قريبة جداً الى الواقع، وأن يثقوا بالتقدم الذي أحرزناه في الأشهر الماضية».