نقولا ناصيف
تنتظر بيروت في الساعات المقبلة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في جولة تحرّك ثان مستمد من البيان الثاني لوزراء الخارجية العرب في 27 كانون الثاني. ومع أن من الصعب التكهّن بنجاحه في مهمته الجديدة، فإن موسى استبقها، وفق تقدير الدبلوماسية اللبنانية، بما سمّاه «عناصر مشجّعة» قال في وقت سابق إنه يحملها معه. وهي تنطوي على فكرتين: أولاهما أنه يقدّم إلى اللبنانيين ما يعرفونه، وثانيتهما اقتراح عائم يخلو من خطوات وإجراءات ملموسة وجدية.
الفكرة الأولى التي يحملها موسى هي سلسلة مواقف كان قد أبلغها وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي إلى المسؤولين السعوديين والعمانيين، مفادها أن الجمهورية الإسلامية ليست في وارد تشجيع أي حرب في لبنان أو فتنة شيعية ــــــ سنّية، ولا حتى نزاع بين المسلمين و«النصارى». وذهب إلى حد إبلاغ هؤلاء أنه يعتقد بأن «المسيحية العالمية» تريد انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان، وأن إيران لا تقف عقبة في تحقيق هذا الهدف. وهو بذلك يلاقي ما تسعى إليه الجامعة العربية وتتردد حياله سوريا. مواقف كهذه سبق أن سمعها اللبنانيون من المسؤولين الإيرانيين مباشرة وبالواسطة، بصيغ متفاوتة، منذ أحداث 25 كانون الثاني 2007، ثم قبل الاستحقاق وبعد الفراغ.
والفكرة الثانية إمكان عقد اجتماع للقادة اللبنانيين خارج لبنان من أجل مساعدتهم على إتمام تسوية لا تتأثر بالتدخلات الخارجية. ولا يعدو هذا الاقتراح الذي لمّح إليه المسؤولون القطريون إلا محاولة عابرة سعياً إلى مخرج لم يلقَ بعد الأصداء الكافية، ولا يتّسم بالضرورة بالجدية اللازمة بمعزل عن ضمان سبل نجاحه، لكونه يتوخى أبعد من وضع البنود الثلاثة في المبادرة العربية موضع التنفيذ إلى استعادة الحوار الوطني بين الزعماء اللبنانيين. وما دام الحوار الثنائي، ثم الثلاثي، ثم الرباعي قد اصطدم في الأشهر الأخيرة بعراقيل حالت لأسباب إقليمية دون نجاحه، فالأحرى ــــــ في تقويم الدبلوماسية اللبنانية ــــــ مقاربة هذا الجانب أولاً.
كلتا الفكرتين اللتين يحملهما موسى لا تمثّلان سبباً مؤكداً لنجاحه في المهمة الجديدة التي رسم لها إطاراً محدّداً وفق ما تبلّغته الدبلوماسية اللبنانية، وهو أنه لن يقوم بتحرّك مكوكي بين الأفرقاء اللبنانيين على غرار زيارته السابقة بين 16 كانون الثاني الفائت و20 منه، بل سيسعى إلى بذل جهد لعقد اجتماع ثلاثي بين الرئيسين أمين الجميل وميشال عون ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، في حضور الأمين العام للجامعة، بغية تذليل الخلاف على البند المتعلق بتأليف حكومة الوحدة الوطنية. ومع أن البيان الجديد توسّع في تحديد آلية الحل اللبناني كي تشمل البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية حتى قبل أن يتفق على هذه الحكومة، وأن ينطلق البيان الوزاري المقبل من المرتكزات الرئيسية للبيان الوزاري لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة وتحديداً في مسألتَي سلاح المقاومة والتوطين ــــــ وكان الاجتماع الخماسي للوزراء العرب قد أدرج التوصية بذلك في مسودة البيان ــــــ فإن تعويضاً كهذا هو بمثابة تطمين للمعارضة، لن يقدّم الكثير من التسهيلات لموسى في مهمته الجديدة إذا استندت مجدّداً إلى تفسيره لطريقة توزيع الحصص في مقاعد حكومة الوحدة الوطنية.
في واقع الأمر، فإن العقبات التي اصطدمت بها جهود الوزراء العرب في القاهرة في اجتماع 27 كانون الثاني سيجدها نفسها الأمين العام للجامعة العربية تنتظره من خلال المواقف المسبّقة التي يتشبّث فيها طرفا النزاع اللبناني، الموالاة والمعارضة، كصورة مصغّرة ومطابقة للاشتباك السياسي والتناقضات التي جبهت الوزراء العرب، وخصوصاً بين السعودية وسوريا، القطبين اللذين يتجاذبان الانقسام اللبناني. وهي ترتكز على:
1 ـ تحديد حصص طرفي النزاع في حكومة الوحدة الوطنية. ومع أن البيان الثاني للوزراء العرب تراجع عن الآلية التي كان قد وضعها لهذه الحكومة في بيانه الأول ــــــ وقد كانت مشوبة بالغموض ــــــ فإن الصيغة الجديدة تصطدم بالعراقيل نفسها التي تحول دون تفاهم الطرفين على هذا التقاسم. وحيال إصرار المعارضة على الحصول على أحد ثلاثة أنصبة في مجلس الوزراء (وفق التمثيل النيابي أو الثلث المعطل أو المثالثة)، وإصرار الموالاة على حصولها هي على الثلث المعطل وحجبه عن المعارضة، يبدو الخوض في نسب التمثيل غير مجدٍ بسبب الرفض المتبادل لكل من الموالاة والمعارضة شروط الآخر. زذ أن الجامعة العربية أفقدت نفسها، في اجتماعها الثاني، الإجماع الذي كانت قد حازته مبادرتها للحل اللبناني في اجتماعها الأول في 6 كانون الثاني المنصرم. بذلك يضيف البيان الثاني التباساً إلى التباس البيان الأول، من دون أن يقدم حلاً ثالثاً بين الحدين اللذين يتشبّث بهما الطرفان. مع أن أوساط الدبلوماسية اللبنانية تعتقد بأن موسى يراهن على مخرج يربط نسب التمثيل بضمانات متبادلة.
2 ـ يتسلّح موسى في المهمة الجديدة بما أدخله البيان الثاني للوزراء، وهو «إنجاز» انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في الموعد المضروب لجلسة الانتخاب في 11 شباط، بعدما كانوا قد اكتفوا في بيانهم الأول بالترحيب بالإجماع على سليمان والدعوة إلى انتخابه فوراً. لكن الإصرار على تنفيذ هذا البند بمعزل عن البندين الآخرين المتعلقين بحكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب يحمل في ذاته الأسباب الكافية لعرقلته بسبب تمسّك المعارضة بالسلة المتكاملة. وبحسب ما يروي وزير الخارجية بالوكالة طارق متري، شدّدت مداولات الوزراء العرب على فلسفة المبادرة التي هي انتخاب الرئيس الجديد، من غير إقران تنفيذ هذا البند بتلازم حتمي مع البندين الآخرين. وفي أبسط الأحوال، ما خلا وزير الخارجية السوري وليد المعلم، لم يقل أي منهم إن البنود الثلاثة كلّ لا يتجزأ تبعاً لآلية وضعها موضع التنفيذ. بل كان التركيز على أولوية وضع حدّ للشغور الرئاسي. في المقابل كانت العبارة المقتضبة للمعلم رداً على مواقف الوزراء الآخرين أن سلة الحل متكاملة. الأمر الذي يحمل متري على التمييز بين ما ألحّ عليه البيان الثاني وهو «إنجاز» انتخاب الرئيس، وبين الدعوة إلى مشاورات لتأليف حكومة الوحدة الوطنية. إذ للمرة الثانية يتبنّى الوزراء ترشيح سليمان بلا التباس، ولا يضعونه في منزلة المفاوضات المتصلة بالبندين الآخرين من المبادرة.